للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاه هَاه، لَا أَدْرِي! فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاه هَاهْ، لَا أَدْرِي! فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاه هَاه، لَا أَدْرِي» (١).

وَغَيرِ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ التي بَلَغَت مَبلَغَ التَّوَاتُرِ.

قَالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيمِيَّة -رحمه الله-: «وَقَدْ تَوَاتَرَت الأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذِهِ الفِتْنَةِ مِنْ حَدِيثِ البَراءِ بْنِ عَازِبٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ -رضي الله عنهم-» (٢).

وَقوله: «مَنْ رَبُّك؟ وَمَا دِينُك؟ وَمَنْ نَبِيُّك؟» - هَذِهِ الأسئلة الثلاثة الِتي تُوَجَّهُ للمَيِّتِ فِي قَبرِهِ؛ قال العلَّامةُ ابنُ عُثَيمين -رحمه الله-: «يَعنِي: مَنْ رَبُّكَ الذِي خَلَقَكَ وَتعبدُهُ وَتَخصُّهُ بِالعِبَادَةِ؟ لِأَجلِ أَنْ تَنتَظِمَ هَذِهِ الكَلمةُ توحيد الربوبيَّةِ، وَتوحيد الألوهيَّةِ.

و «المُرتاب»: الشَّاكُّ والمُنافقُ وشبههمَا، «فَيَقُولُ: هَاه هَاه؛ لَا أَدْري، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلتُهُ»، يعني: لم يَلجِ الإيمانُ قلبَهُ، وإنَّمَا كانَ يقولُ كما يقولُ النَّاسُ مِنْ غيرِ أن يَصِلَ الإيمانُ إلى قلبِهِ.

وَتَأَمَّل قولَهُ: «هاه هاه» كأنَّ شيئًا غَابَ عنهُ يريدُ أن يَتذكرَه، وَهَذا أشدُّ في التَّحَسُّرِ أن يتخيَّلَ أنَّهُ يَعْرِفُ الجوابَ، ولكن يُحالُ بينهُ وبينهُ، ويقولُ: «هاه هاه»، ثمَّ يقولُ: «سمعتُ الناسَ يقولونَ شيئًا فقلتُهُ»، وَلَا يقولُ: رَبِّيَ الله، وَلَا ديني الإسلام، وَلَا نَبِيِّ محمَّد؛ لأَنَّهُ فِي الدُّنيا مُرتابٌ شاكٌّ.

هذا إِذَا سُئِلَ فِي قَبرِهِ وَصَارَ أحوج مَا يكونُ إِلَى الجَوَابِ


(١) أخرجه أحمد في «المسند» (٤/ ٢٨٧) (١٨٥٥٧)، وأبو داود (٤٧٥٣)، وصححه الألباني في «المشكاة» (١٦٣٠).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٤/ ٢٥٧).

<<  <   >  >>