للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَا يَظْهر من حركات اللِّسَان والجوارح، وإن أَضْمَرت النُّفُوسُ خِلَافه، وَجعل أَحْكَامَ البَرزخ على الأَرْوَاح والأبدان تبعًا لَهَا.

فَكَمَا تبِعت الأَرْوَاحُ الأَبدَانَ فِي أَحْكَام الدُّنْيَا؛ فَتَأَلَّمَت بِأَلَمِها، والْتَذَّت بِرَاحتها، وَكَانَت هي الَّتِي باشَرَت أَسبَابَ النَّعيم وَالعَذَاب تَبِعت الأَبدَانُ الأَرْوَاحَ فِي نعيمِها وعذابها، والأرواح حِينَئِذٍ هي الَّتِي تُباشر العَذَابَ وَالنَّعِيمَ، فالأبدانُ هُنَا ظَاهِرَة والأرواح خَفِيَّة والأبدان كالقبور لَهَا، والأرواح هُنَاكَ ظَاهِرَة والأبدان خَفِيَّة فِي قُبُورها تَجري أَحْكَامُ البرزخ على الأَرْوَاح، فَتَسْرِي إِلَى أبدانِها نعيمًا أَوْ عذَابًا، كَمَا تَجري أَحْكَامُ الدُّنْيَا على الأَبدَان فَتَسْري إِلَى أرواحِها نَعيمًا أَوْ عذَابًا، فَأَحِط بِهَذَا المَوضع عِلْمًا، واعرفه كَمَا يَنبغي يُزِل عَنْك كلَّ إشكالٍ يُورد عَلَيْك من دَاخل وخارج.

وَقد أرانا اللهُ- سُبْحَانَهُ- بِلُطْفِهِ وَرَحمته وهِدايته من ذَلِك أُنموذجًا فِي الدُّنْيَا من حَال النَّائِم، فَإِنَّ مَا يُنَعَّم بِهِ أَوْ يُعَذَّب فِي نَومه يَجري على رُوحه أصلًا، وَالبدن تَبَعُ لَهُ، وَقد يَقوى حَتَّى يُؤَثِّر فِي البدن تأثيرًا مُشاهدًا، فَيَرَى النَّائِمُ فِي نَومه أَنَّه ضُرِب فَيُصْبِح وَأَثَر الضَّرْب فِي جِسْمه، وَيرى أَنه قد أكل أَوْ شَرِب فيستيقظ وَهُوَ يَجِد أَثَرَ الطَّعَام وَالشَّرَاب فِي فِيهِ، وَيذْهب عَنهُ الجُوعُ والظَّمأ.

وأعجب من ذَلِك أَنَّك ترى النَّائِم يقوم فِي نَومه وَيَضْرب ويَبطش ويُدَافع كَأَنَّهُ يقظان، وَهُوَ نَائِم لَا شُعُور لَهُ بشيء من ذَلِك، وَذَلِكَ أَنَّ الحكم لما جَرَى على الرُّوح استعانت بِالبدنِ من خَارجه، وَلَو دخلت فِيهِ لاستيقظ وأَحَسَّ، فَإِذا كَانَتْ الرُّوح تتألم وتتنعم ويَصل ذَلِك إِلَى بدنهَا بطرِيق الاستتباع، فَهَكَذَا فِي البرزخ بل أعظم، فَإِنْ تَجَرُّد الرُّوح هُنَالك أكمل وَأقوى، وهى مُتَعَلقَةٌ ببدنِها لم تَنْقَطِع

<<  <   >  >>