للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَنهُ كلَّ الِانْقِطَاع، فَإِذا كَانَ يَوْم حشر الأجساد وَقيام النَّاس من قُبُورهم- صَار الحكمُ وَالنَّعِيم وَالعَذَاب على الأَرْوَاح والأجساد ظَاهرًا باديًا أصلًا.

وَمَتى أَعْطَيْتَ هَذَا المَوضع حَقَّه- تَبَيَّن لَك أَنَّ مَا أَخْبَر بِهِ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ عَذَاب القَبْر ونَعيمه وضِيقه وسَعَته وضَمه وَكَونه حُفْرَة من حفر النَّار أَوْ رَوْضَة من رياض الجنَّة- مُطَابق لِلعَقْلِ، وَأَنه حَقٌّ لَا مِرية فِيهِ، وَأنَّ مَنْ أشكل عَلَيْهِ ذَلِك فَمِنْ سُوء فَهمه وَقِلَّة عِلمه أُتِي، كَمَا قيل:

وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا … وآفتُه من الفَهم السَّقيم

وأَعْجَب مِنْ ذلك: أن تَجِد النَّائمين في فِرَاشٍ واحدٍ، وهذا رُوحُه في النَّعيم، ويَستيقظُ وأَثرُ النَّعيم على بَدنه، وهذا رُوحه في العَذَاب ويَستيقظ وأَثَرُ العَذاب على بَدَنِه، ولَيْسَ عند أحدِهما خَبَرٌ بما عند الآخَر، فَأَمْرُ البَرْزَخِ أعجبُ مِنْ ذَلك.

والله- سبحانه- جَعَلَ أَمْرَ الآخرة، وما كان مُتَّصِلًا بها غَيْبًا، وحَجَبها عن إدراك المُكَلَّفين في هذه الدَّار، وذلك من كمال حكمته، ولِيتميز المؤمنون بالغيب عن غيرهم» (١).

المَسأَلَةُ الثانية: مَا يَكُونُ بَعدَ فِتنَةِ القبر مِنْ نَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ:

وهي ما أشار إليها شيخ الإسلامِ بقوله: «ثُمَّ بَعْدَ هذِهِ الفِتْنَةِ إمَّا نَعِيمٌ وَإِمَّا عَذَابٌ».

ويبدأ العبد يعاين مصيره من ساعة الاحتضار، كما في حديث البَراءِ بن عَازِبٍ -رضي الله عنه- أنَّه قال: «كُنَّا فِي جنازة فِي بَقِيع الغَرْقَد، فَأَتَانَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَعَدَ وقَعَدْنا حوله، كَأَنَّ على رُءوسنا الطَّير، وَهُوَ يُلحَدُ


(١) «الروح» (ص ٦٣، ٦٤) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>