للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بفؤادك إذا رأيتَ الصِّراط ودِقَّتَه، ثُمَّ وَقَعَ بصرُك على سَوَادِ جَهنم من تحته، ثم قَرَعَ سَمْعَك شَهِيقُ النارِ وتَغَيُّظُها، وقد كُلِّفْت أن تَمشي على الصِّراط مع ضَعف حالك، واضطراب قلبِك، وتَزَلزُلِ قَدَمِك، وثِقَل ظَهْرك بالأوزار المانعة لك مِنْ المَشي على بساط الأرض فضلًا عن حِدَّة الصِّراط، فكيف بك إذا وَضَعْتَ عليه إحدى رِجليك فَأَحْسَسْتَ بِحِدَّتِه، واضطررت إلى أن تَرفع القَدَم الثاني، والخلائق بين يديك يَزِلُّون ويَعثرون، وتتناولهم زبانيةُ النَّار بالخطاطيف والكلاليب، وأنت تنظر إليهم كيف ينكسون فَتَسْفُل إلى جهة النار رُءوسهم، وتَعْلُو أَرْجُلُهم؛ فَيَا له مِنْ مَنظر ما أَفْظَعَه! ومُرْتَقًى ما أَصْعَبَه! ومَجاز ما أَضْيَقَه!» (١).

ومع كل هذا فالمؤمن يمر عليه مرورًا سريعًا جدًّا.

ولذلك لا بد أن يعلم الإنسان أنه إذا أراد اجتياز الصراط إلى الجنة: أنه مطالب بمجاهدة نفسه في هذه الحياة؛ للثبات على منهج الله، وعليه النظر فيما هو مُقدم عليه من هذه الأهوال؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: ١٨]؛ وإذا كان الإنسان يحتاط جدًّا في سفر الدنيا وخاصة إذا سَمِع أن فيه مشقة، وأنه قد يُصيبه العنت فيه- فماذا قَدَّم ليوم القيامة وما فيه من كربات وأهوال؟

وليحاسب نفسه هنا: لماذا هذه الغشاوة التي على عينيه، ولماذا هذه الغفلة التي في قلبه عن هذا المصير المحتوم؟! ولماذا الركون إلى الدنيا وعدم استثمار الأنفاس فيما ينفع وينجي في هذا اليوم؟!


(١) «التذكرة» (ص ٢٨٩).

<<  <   >  >>