للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أَلْسِنة رُسلِه، فما وُجد منه تَعَلَّقَت به المحبةُ والمشيئةُ جميعًا فهو محبوبٌ للرَّبِّ، واقعٌ بمشيئته؛ كطاعات الملائكة والأنبياء والمؤمنين، وما لم يُوجد منه تَعَلَّقت به محبته وأمرُه الدِّيني، ولم تتعلق به مشيئته، وما وُجد من الكفر والفسوق والمعاصي تَعَلَّقت به مشيئتُه، ولم تتعلق به محَبَّتُه، ولا رِضاه ولا أمره الدِّيني، و ما لم يُوجد منها لم تتعلق به مشيئته ولا محبته، فلفظ المشيئة كونيٌّ، ولفظ المَحَبَّة دينيٌّ شرعيٌّ، ولفظ الإرادة ينقسم إلى إرادة كونية؛ فتكون هي المشيئة، وإرادة دينية؛ فتكون هي المحبة.

وإذا عرفت هذا فقوله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧]، وقوله: {لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥]، وقوله: {وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] لا يناقض نصوص القدر والمَشيئة العامة الدَّالة على وقوع ذلك بمشيئته وقضائه وقدره؛ فإنَّ المَحَبَّةَ غيرُ المَشيئة، والأمرَ غيرُ الخلقِ، ونظير هذا: الأمر؛ فإنه نوعان: أمر تكوين، وأمر تشريع، والثاني قد يُعصى ويُخالف بخلاف الأول».

إلى أن قال رحمه الله: «فسبحانه أن يكون في مَملكته ما لا يشاءُ أو أن يشاء شيئًا فلا يكون، وإن كان فيها ما لا يُحِبُّه ولا يَرضاه، وإن كان يحبُّ الشيءَ فلا يكون لِعَدم مشيئته له، ولو شاءه لَوُجِد» (١).

فالعبودية لله نوعان:

الأَوَّل: عبوديَّة عامَّة، وهي عبودية القهر والملك لجميع الخلق، كما في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣].

الثاني: عبودية خاصَّة، وهي عبودية الشرع من الإيمان


(١) «شفاء العليل» (ص ١٠٥، ١٠٦).

<<  <   >  >>