للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سَمَّاهُم النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مَجُوسَ هذه الأُمَّة؛ لمشابهتهم للمجوس الذين يُثْبِتُون خالقَين، هما: النُّور، والظُّلمة، فالنور عندهم خَلَقَ الخَيْرَ، والظلمة خلقتِ الشَّرَّ، فصاروا بذلك ثَنَوِيَّةً، وهؤلاء القدرية جعلوا خالقًا مع الله، فزعموا أن العبادَ يَخْلُقُونَ أَفْعَالهم بدون إرادةِ الله ومشيئته.

ثم قال -رحمه الله-: «ويَغْلُو فيها قومٌ مِنْ أهلِ الإِثْبَاتِ، حتى سَلَبُوا العبدَ قُدْرَتَهُ واخْتِيَارَهُ»، والمراد بهم: الجبريَّةُ الذين جاوزوا الحدَّ في الإثباتِ، حتى جعلوا الفاعلَ حَقِيقَةً لفعل العبد خيرِه وشرِّه هو اللهُ، وزعموا أنَّ الفِعْلَ إنما نُسِبَ إلى العبد مَجازًا، وهو في الحقيقة مجبورٌ عليه؛ وليس له اختيار، كالرِّيشة في مهبِّ الرِّيح تحركها كيفما شاءت.

وهؤلاء هم الجهمية؛ أتباع جَهم بن صفوان، والمصنف لم يُسَمِّ الجهمية وحدهم؛ لأن الأشعرية كذلك معهم؛ لأن قول الأشعرية بالكسب في حقيقة الأمر هو نفس القول بالجَبْر.

ثم قال رحمه الله: «ويُخْرِجُونَ عن أفعالِ اللهِ وأحكامِه حِكَمَهَا ومَصَالِحَها»؛ فعندما يُسلب العبد من قدرته وإرادته فهذا يعني أنه خُلق بلا حكمة ولا مصلحة، وهو كقول المشركين: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨]، وهذه ليست حجة؛ لأن الله جل وعلا قد جعل لهم إرادة وقدرة، فلا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي والقاعدة عند أهل السنة في ذلك: (الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب)، أي: يُحتجُّ بالقدر على المصائب التي تُصيب الإنسان؛ لأنه مأمور أن يقول عند نزول القضاء: قدر الله وما شاء فعل؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «وإن أصابَك شيءٌ

<<  <   >  >>