للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما معاني هذه الكلمات:

فقد قال العلَّامة ابن القيم -رحمه الله-: «التَّحْرِيف: هو العدول بالكلام عن وجهه وصوابه إلى غيره، وهو نوعان:

تحريف لفظه، وتحريف معناه:

والنوعان مأخوذان من الأصل عن اليهود، فهم الراسخون فيها، وهم شيوخ المحرِّفين وسلفهم؛ فإنهم حرَّفوا كثيرًا من ألفاظ التوراة، ولما غُلبوا عن تحريف لفظه حَرَّفوا معناه؛ ولهذا وُصِفُوا بالتَّحْرِيف في القرآن دون غيرهم من الأمم، ودرج على آثارهم الرافضةُ، فهم أشبه بهم من القُذَّة بالقُذَّة، والجهمية؛ فإنهم سلكوا في تحريف النصوص الواردة في الصفات مسالك إخوانهم من اليهود، ولمَّا لم يتمكنوا من تحريف نصوص القرآن حرَّفوا معانيه وسَطَوْا عليها، وفتحوا باب التَّأْوِيل لكل مُلْحِدٍ يكيد الدين، فإنه جاء فوجد بابًا مفتوحًا وطريقًا مسلوكًا، ولم يمكنهم أن يخرجوه من بابٍ أو يردوه من طريقٍ قد شاركوه فيها، وإن كان الملحد قد وسَّع بابًا هم فتحوه وطريقًا هم اشتقوه، فهما بمنزلة رجلين ائتُمِنا على مالٍ فتأول أحدهما وأكل منه دينارًا، وتأول الأخر وأكل منه عشرةً، فإذا أنكر عليه صاحبه قال: إن حلَّ أكل الدينار بالتَّأْوِيل حلَّ أكل العشرة به، ولا سيما إذا زعم آكل الدينار أن الذي ائتمنه إنما أراد منه التَّأْوِيل، وأن المتأول أعلم بمراده من المالك، فيقول له صاحبه: أنا أسعد منك، وأولى بأكل هذا المال.

والمقصود أن التَّأْوِيل يتجاذبه أصلان: التفسير، والتَّحْرِيف.

فتأويل التفسير هو الحق، وتأويل التَّحْرِيف هو الباطل.

فتأويل التَّحْرِيف مِنْ جنس الإلحاد؛ فإنه هو الميلُ بالنصوصِ

<<  <   >  >>