وهذا- بحمد الله- تعالى ما تواصوا به جيلًا بعد جيلٍ، كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: «إنا نقتدي ولا نَبتدي، ونتَّبع ولا نَبتدع، ولن نضلَّ ما تَمسكنا بالأثر»(١)، أي: لا نبتدأ شيئًا من عندنا، فنحن نقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من بعده، ونتبعهم ولا نبتدع.
ومن صفات أهل السنة والجماعة أنهم يقدمون هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- على هدي كلِّ أحد، وَلِهَذَا سُمُّوا أَهْلَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَسُمُّوا أَهْلَ الجَمَاعَةِ؛ لأَنَّ الجَمَاعَةَ هِيَ الاِجْتِمَاعُ، وَضِدُّهَا الفُرْقَةُ، وهم بهذه الأصول (الكتاب والسنة والإجماع) يَزنون جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة وظاهرة مما له تعلق بالدين.
وَالإِجْمَاعُ الَّذِي يَنْضَبِطُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ (أي القرون الثلاثة المفضلة)؛ لأن الاختلاف قد كثر وانتشر في هذه الأمة بعدهم.
وهذا الميزان مِنْ نعم الله على أهل السنة، ولذلك تجد هذا المنهج يتسم بالثبات، من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى وقت الناس هذا، ويتواصى به أهل السنة، ويوصون به من بعدهم، فهو منهج ثابت مهما مرت السنون، وصاحب السُّنَّة في المشرق شأنه كصاحب السنة في المغرب، فأنت تقرأ لابن تيمية كما تقرأ لابن عبد البر، وكما تقرأ للبخاري ومسلم، فالقول واحد لم يختلف ولم يتغير؛ لأن الأصل واحد، والمنهج واحد، مع اختلاف الأزمان، ومع اختلاف الأماكن، مع أنه في ذلك الزمان لم يكن بين هؤلاء وسيلة اتصال، ومع ذلك مَنْ هو في المشرق كمَن هو في المغرب.