للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول المصنف: «ثم رُسُلُه صَادقون مُصَدَّقون» عطفٌ على قوله: «فإنَّه أَعْلَمُ بنفسِه … »؛ وذلك لأن رسلَ الله صادقون فيما بَلَّغوه عنه؛ لأنَّهم بَلَّغوا ما عَلَّمهم الله إيَّاه وما أمرهم بتبليغه؛ وحاشاهم من الكذب؛ فهم اختيار الله؛ قال جل وعلا: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤]، وقد صدَّقهم- سبحانه وتعالى- وأيدهم بالمعجزات الدَّالة على صدقهم.

لذا يجب على الناس تصديقُهم، ومَن كَذَّبَهم أو كَذَّبَ واحدًا منهم فهو مُكَذِّبٌ بهم جميعًا، كافرٌ بِمَنْ أرسلهم؛ قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: ١٠٥]، {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: ١٢٣]، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: ١٤١]، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: ١٦٠].

وأمَّا قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ فقد قال الحافظُ ابنُ كثير -رحمه الله- في تفسيرها: «يُنزِّه تعالى نفسَه ويُقَدِّسها ويبرِّئها عما يقوله الظَّالمون المُكَذِّبون المعتدون؛ تعالى وتَنَزَّه وتقدَّس عن قَولهم علوًّا كبيرًا؛ ولهذا قال تبارك وتعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} أي: ذي العزَّة التي لا تُرَامُ. {عَمَّا يَصِفُونَ} أي: عن قول هؤلاء المُعتدين المُفترين. {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} أي: سلام الله عليهم في الدنيا والآخرة؛ لسلامة ما قالوه في ربهم وصحته وحقِّيَّتِه، {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: له الحمد في الأولى والآخرة في كل حال.

ولما كان التَّسبيح يَتَضَمَّن التنزيه والتبرئة من النَّقص بدلالة المطابقة ويستلزم إثبات الكمال، كما أنَّ الحمد يدلُّ على إثبات صفات الكمال مطابقة ويستلزم التنزيه من النقص قُرن بينهما في هذا

<<  <   >  >>