فأسماء الله توقيفية، ومخالفة ذلك وتسميته تعالى بما لم يُسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها؛ فالإقدام على فِعل شي من ذلك هو نوع من الإلحاد في أسماء الله.
الثالث: أن ينكر شيئًا منها أو ممَّا دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم، وإنما كان ذلك إلحادًا لوجوب الإيمان بها، وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها.
قال ابن القيم:«ومِن الإلحاد في أسمائه: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها؛ كقول مَنْ يقوله من الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معان، فيُطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرَّحيم والمتكلم والمريد، ويقولون: لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به، وهذا مِنْ أعظم الإلحاد فيها عقلًا وشرعًا ولغة وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين؛ فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها؛ فكلاهما ملحد في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم مُتفاوتون في هذا الإلحاد؛ فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب، وكل مَنْ جحد شيئًا مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك؛ فليستقلل أو لِيستكثر»(١).
فالمعتزلة ضلوا؛ لأنهم نفوا معاني أسماء الله الحُسنى، وادعوا أنَّها كالأعلام المحضة التي لم تُوضع لمسمَّاها باعتبار معنى قائم به، وقالوا: إن الله سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وعزيز بلا عِزَّة وهكذا، وعلَّلوا ذلك: بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدُّد القدماء.
وهذه العلة عليلةٌ بل ميتة؛ لدلالة السمع والعقل على بطلانها.