«وإذا كانت الصِّفة كمالًا في حال، ونقصًا في حال لم تكن جائزة في حق الله، ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تُثْبَت له إثباتًا مطلقًا، ولا تُنْفَى عنه نفيًا مطلقًا، بل لا بد من التفصيل؛ فتجوز في الحال التي تكون كمالًا، وتمتنع في الحال التي تكون نقصًا، وذلك كالمكر، والكَيد، والخداع، ونحوها، فهذه الصفات تكون كمالًا إذا كانت في مقابلة مَنْ يعاملون الفاعل بمثلها؛ لأنها حينئذٍ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بِمِثل فِعله، أو أشد، وتكون نقصًا في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق، وإنما ذكرها في مقابلة مَنْ يُعاملونه ورسله بمثلها؛ كقوله تعالى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، وقوله:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً}، وقوله:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}، وقوله:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}، وقوله:{قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}.
ولهذا لم يَذكر الله أنه خان مَنْ خانوه؛ فقال تعالى:{وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، فقال:{فأمكن منهم}، ولم يقل: فخانهم. لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهى صفة ذم مطلقًا.