للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على وجه الجزاء لِمَنْ فَعَل ذلك بغير حقٍّ، وقد علم أنَّ المجازاة على ذلك حَسَنة من المخلوق؛ فكيف مِنْ الخالق سبحانه وتعالى؟!» (١).

ومِن هنا يتبين لك خطأ ما عَدَّه بعضهم- ومنهم ابنُ العربي المالكي في كتابه «أحكام القرآن»؛ حيث سَمَّاه بـ (الفاعل والزَّارع)، فإن الفاعل والزارع إذا أُطلقا بدون متعلق ولا سياق يدل على وصف الكمال فيهما- فلا يفيدان مدحًا، أما في سياقها من الآيات التي ذُكرت فيها- فهي صفات كمال ومدح وتوحد، كما قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} الآيات، بخلاف ما إذا عُدَّت مجردة عن متعلقاتها وما سِيقت فيه.

وله أكبرُ مُصيبة أن عَدَّ في الأسماء الحسنى: (رابع ثلاثة)، و (سادس خمسة) مصرحًا قبل ذلك بقوله: «وفي سورة المجادلة: اسمان؛ فذكرهما».

وهذا خطأ فاحشٌ؛ فإنَّ الآية لا تدل على ذلك ولا تقتضيه بوجهٍ لا منطوقًا ولا مفهومًا، فإن الله عز و جل قال: {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوي ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا} الآية، وأين في هذا السياق (رابع ثلاثة)، (سادس خمسة)؟! وكان حقه اللائق بمراده أن يقول: رابع كل ثلاثة في نجواهم وسادس كل خمسة كذلك؛ فإنه تعالى يعلم أفعالهم ويسمع أقوالهم، كما هو مفهوم من صدر الآية، ولكن لا يليق بهذا المعنى إلا سياق الآية والله أعلم» (٢).

* * *


(١) «مختصر الصواعق» (٢/ ٣٤).
(٢) «معارج القبول» (١/ ٧٦، ٧٨).

<<  <   >  >>