قيل: كل مِنْ العلم والعمل ينقسم إلى قسمين؛ منه ما يكون وسيلة، ومنه ما يكون غاية، فليس العلم كله وسيلة مرادة لغيرها، فإنَّ العلم بالله وأسمائه وصفاته هو أشرف العلوم على الإطلاق، وهو مطلوب لنفسه، مراد لذاته؛ قال الله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}، فقد أخبر- سبحانه- أنه خلق السموات والأرض، ونَزَّل الأمر بينهن؛ ليَعلم عباده أنه بكل شي عليم، وعلى كل شي قدير؛ فهذا العلم هو غاية الخلق المطلوبة، وقال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}؛ فالعلم بوحدانيته تعالى وأنه لا إله إلا هو مطلوب لذاته وإن كان لا يُكتفى به وحده، بل لابد معه من عبادته وحده لا شريك له؛ فهما أمران مطلوبان لأنفسهما.
الأمر الأول: أن يُعرف الربُّ تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه.
والأمر الثاني: أن يُعبد بمُوجبها ومُقتضاها.
فكما أنَّ عبادته مطلوبة مرادة لذاتها، فكذلك العلم به ومعرفته أيضًا، فإنَّ العلم من أفضل العبادات (١).
ثالثًا: توحيد الأسماء والصفات هو أصل العلوم الدينية:
كما أن العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله أجل العلوم وأشرفها وأعظمها فهو أصلها كلها، فكل علم هو تابع للعلم به، مفتقر في تحقق ذاته إليه، فالعلم به أصل كل علم ومَنشؤه؛ فمَن عرف الله عَرف ما سواه، ومَن جهل ربَّه فهو لما سواه أجهل؛ قال تعالى:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}، فتأمل هذه الآية تجد تحتها معنى شريفًا عظيمًا، وهو: أنَّ مَنْ نسي ربَّه أنساه ذاته ونفسه، فلم يَعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نَسي ما به