للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك من عَطَّل صفات الخالق توهم أن هذه الأسماء العامة الكلية يكون مسماها المطلق الكلي هو بعينه ثابتًا في هذا المعين وهذا المعين، وليس كذلك، فإن ما يُوجد في الخارج لا يوجد مطلقًا كليًّا، بل لا يوجد إلا معينًا مختصًّا.

وهذه الأسماء إذا سُمي الله بها كان مسمَّاها مُعَيَّنًا مختصًّا به.

فإذا سُمِّي بها العبد كان مُسَمَّاها مختصًّا به.

فوجود الله وحياته لا يُشاركه فيها غيره، بل وجود هذا الموجود المعين لا يشركه فيه غيره، فكيف بوجود الخالق؟

وبهذا ومثله يتبين لك أنَّ المُشَبِّهة أخذوا هذا المعنى فزادوا فيه على الحقِّ فَضَلُّوا.

وأنَّ المعطلة أخذوا نفي المماثلة بوجهٍ من الوجوه، وزادوا فيه على الحق حتى ضَلُّوا.

وأنَّ كتاب الله دلَّ على الحقِّ المَحض الذي تعقلُه العقول السليمة الصحيحة، وهو الحقُّ المعتدل الذي لا انحرافَ فيه (١).

وبعد إثباتنا لصفات الله تعالى علينا فقط أن نقطع الطمع عن إدراك كيفية اتصافه سبحانه بهذه الصفات، ويتم ذلك بما يلي:

أولاً: إن الله لم يُطلع الخلق على ذاته، ولم يُكَلِّفهم معرفة ذاته.

لم يشأ الله عز وجل أن يجعل للعباد مِنْ سبيل إلى معرفة كيفية وكُنه صفاته، فقد سَدَّ سبحانه الطرق الموصلة إلى ذلك، فهو مِنْ جهة لم يُطلع الخلق على ذاته، فهذا باب مَوصود إلى قيام الساعة كما جاء في الحديث: «تَعَلَّمُوا أنَّه لن يَرى أحد منكم ربَّه حتى عز وجل حتى يموت» (٢).


(١) «شرح الطحاوية» (ص ١٠٤) بتصرف.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب (الفتن)، باب (ذكر ابن صياد)، حَدِيث (١٦٩).

<<  <   >  >>