للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِن جهة ثانية لم يخبرنا الله عز وجل بكيفية وكُنه صفاته في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وردت به النصوص إنما هو إثبات وجود لتلك الصفات لا إثبات كيفية.

ومن جهة ثالثة فإنَّ الله لم يُكلف العباد معرفة كيفية صفاته، ولم يتعبدهم بذلك ولا أراده منهم، بل قَصرهم على الإيمان بما أخبرهم به، فالواجب عليهم أن يؤمنوا الإيمان الصحيح بما كلفوا به، وأن لا يتجاوزوا حدود ذلك.

وقد ورد النص في وجوب قطع الطَّمع عن إدراك حقيقة كيفية صفات الله؛ فإدراك ذلك مستحيل، قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: «إدراك حقيقة الكيفية مستحيل، وهذا ما نص عليه في هذه الآية من سورة طه، فقوله: {يُحِيطُونَ بِهِ} فعل مضارع منفي، والفعل الصناعي الذي يسمى (بالفعل المضارع، وفعل الأمر، والفعل الماضي) ينحل عند النحويين عن مصدر وزمن، فالمصدر كامن في مفهومه إجماعًا؛ فيحيطون في مفهومها (الإحاطة)، فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل، فيكون معه كالنَّكرة المَبنية على الفتح؛ فيصير المعنى: لا إحاطة للعلم البشري بربِّ السموات والأرض، فيُنفى جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها، فالإحاطة المُسندة منفية (للخلق) عن ربِّ العالمين» (١).

ولذلك على العقل أن ييأس مِنْ تعرُّف كُنه الصفات وكيفياتها لعجزه عن معرفة ذلك؛ لأنَّ الشيء لا تُعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته، أو العِلم بنظيره المُساوي له، أو بالخبر الصادق، وكل هذه الطرق مُنتفية في كيفية صفات الله، فوجب بطلان تكييفها.


(١) «منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات» (ص ٢٤).

<<  <   >  >>