للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعِلم الإنسان محدود، كما أخبر الله بذلك؛ حيث قال: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً}، وقال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}.

وإذا كانت نفسُ الإنسان التي هي أقرب الأشياء إليه بل هي هويته- لا يَعرف الإنسانُ كيفيتها ولا يحيط علمًا بحقيقتها، فالخالق- جلَّ جلاله- أَوْلَى أن لا يَعلم العبد كيفيته ولا يحيط علمًا بحقيقته (١).

وقد أدَّب الله عباده المؤمنين ووجَّههم بأن لا يخوضوا في أمور لا علم لهم بها، فقال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}.

ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفاته عز وجل؛ لأنه تعالى أخبرنا عنها، ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تعمقنا في أمر الكيفية قَفْوًا لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به، ومخالفة لما نهانا الله وحذرنا منه، وحَرَّمه علينا.

فيجب الكفُّ عن التكييف تقديرًا بالجنان، أو تقريرًا باللسان، أو تحريرًا بالبنان؛ لأن أيَّةَ كيفية تقدرها الأذهان فالله أعظم وأجَلُّ من ذلك، ثم هي في الوقت ذاته ستكون كذبًا؛ لأنه لا عِلم لقائلها بذلك.

ولهذا نقل أصحاب المقالات عن بعض المشبهة- الذين خاضوا في كيفية صفات الله- أنه قال في ربِّه في عام واحد خمسة أقاويل (٢)، وصدق الله إذ قال في كتابه العزيز: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}.


(١) «رسالة في العقل والروح» لابن تيمية (٢/ ٤٤)، مطبوعة ضمن مجموعة «الرسائل المنيرية».
(٢) «مقالات الإسلاميين» (ص ٣٣).

<<  <   >  >>