فعلى المُسلم أن يحذر من التكييف أو محاولته، فإنَّ مَنْ فعل ذلك فقد وقع في مَفاوز لا يستطيع الخلاص منها، فالخوض في ذلك هو مما يلقيه الشيطان في القلوب، وهو نزغة من نزغاته، فلذلك يجب على المؤمن أن يلجأ إلى ربِّه ويستعيذ به من نزغات الشيطان؛ قال تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
ولذلك معنى قول السلف:«بلا كيف» أي: بلا كيف يَعقله البشر، فليس المراد من قولهم:«بلا كيف» هو نفي الكيف مطلقًا، فإنَّ كل شيء لابد أن يكون على كيفية ما، ولكن المراد هو نفي العلم بالكيف، إذ لا يَعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه (١)، فهذا مما استأثر الله بعلمه فلا سبيل إلى الوصول إليه، فكما أنَّ ذات الله لا يمكن للبشر معرفة كيفيتها، فكذلك صفاته سبحانه لا نعلم كيفيتها، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله فقيل له:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛ كيف استوى؟ قال رحمه الله:«الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة». ثم قال للسائل: وما أراك إلا رجل سوء، وأمر بإخراجه من مجلسه.
وقد روى عن شيخه ربيعة بن عبد الرحمن قوله:«الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول»، أي: لا تَعقله العقول ولا تحيط به.
وهذا يقال في سائر الصفات، وقد مشى أهل العلم على هذا الميزان، واعتبروا ذلك قاعدة من قواعد الصفات.
فقول الإمام مالك:«الاستواء معلوم»: أي: معلوم المعنى في لغة العرب، فـ (استوى) هنا عُدِّيت بـ (على)، فهي هنا بمعنى: علا وارتفع، وهكذا الأمر في سائر نصوص الصفات، فإن معانيها معروفة في لغة العرب، وليست مجهولة.