«والكيف مجهول»: أي: مع إثباتهم لمعنى الاستواء واعتقادهم بأن الله مستوٍ على عرشه ومرتفع عليه، إلا أنهم يَكِلُون علمَ كيفية ذلك الاستواء إلى الله عز وجل؛ لأنه مما استأثر الله بعلمه.
«والإيمان به واجب»: أي: الإيمان باستواء الله على عرشه حقيقة واجب؛ لوروده في النصوص الشرعية.
«والسؤال عنه بدعة»: أي: السؤال عن كيفية الاستواء؛ لأن السائل قال: كيف استوى؟
فعدم العلم بكيفية صفات الله لا يَقدح في الإيمان بتلك الصفات ومعرفة معانيها؛ لأن الكيفية وراء ذلك، فالسلف يُثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفات الكمال ويفهمون معاني تلك الصفات ويُفسرونها، فإذا أثبتوا لله السَّمع والبصر أثبتوهما حقيقية وفهموا معناهما، وهكذا سائر الصفات يجب أن تَجري هذا المجرى، وإن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كُنهها وكيفيتها، فإن الله سبحانه لم يُكَلِّف العباد ذلك ولا أراده منهم ولم يجعل لهم إليه سبيلاً.
وكثير من المخلوقات لم يجعل الله للعباد سبيلاً إلى معرفة كنهها وكيفيتها، فهذه أرواح الخلائق التي هي أدنى إليهم مِنْ كل دان قد حُجب عنهم معرفة كنهها وكيفيتها، وقد أخبرنا الله عن تفاصيل يوم القيامة وما في الجنة والنار، فقامت حقائق ذلك في قلوب أهل الإيمان وشاهدته عقولهم ولم يَعرفوا كيفيته وكنهه، فلا يشكُّ المسلمون أن في الجنة أنهارًا من خمر وأنهارًا من عسل، ولكن لا يعرفون كنه ذلك ومادته وكيفيته؛ كما قال ابن عباس:«ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء».
فكذا الأسماء والصفات لا يَمنع انتفاء نظيرها في الدنيا مِنْ فهم معانيها وحقائقها والإيمان بذلك واعتقاد اتصاف الله بها (١).
فإيماننا صحيحٌ بحقِّ ما كُلِّفنا به وإن لم نَعرف حقيقة ماهيته وكيفيته، والله أعلم.