الثاني: أن يقال: إنَّ الحق إمَّا أن يكون فيما قاله السلف، أو فيما قاله غيرهم. والثاني باطل؛ لأنه يلزم منه أن يكون السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان تكلموا بالباطل تصريحًا أو ظاهرًا، ولم يتكلموا مرة واحدة لا تصريحًا ولا ظاهرًا بالحق الذي يجب اعتقاده. وهذا يستلزم أن يكونوا إمَّا جاهلين بالحق، وإمَّا عالمين به لكن كتموه، وكلاهما باطل، وبطلان اللازم يدلُّ على بطلان الملزوم، فتعيَّن أن يكون الحقُّ فيما قاله السلف دون غيرهم.
القسم الثاني: مَنْ جعلوا الظاهر المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلاً لا يليق بالله، وهو التشبيه، وأبقوا دلالتها على ذلك. وهؤلاء هم المشبهة، ومذهبهم باطل، محرم من عدة أوجه:
الأول: أنه جناية على النُّصوص، وتعطيل لها عن المراد بها، فكيف يكون المراد بها التشبيه وقد قال الله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
الثاني: أن العقل دلَّ على مباينة الخالق للمخلوق في الذات والصفات، فكيف يُحكم بدلالة النصوص على التَّشابه بينهما؟
الثالث: أن هذا المفهوم الذي فهمه المُشَبِّه من النصوص مُخالف لما فهمه السلف منها، فيكون باطلاً.
فإن قال المُشَبِّه: أنا لا أعقل من نزول الله ويده إلا مثل ما للمخلوق من ذلك، والله تعالى لم يُخاطبنا إلا بما نعرفه ونعقله.
فجوابه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الذي خاطبنا بذلك هو الذي قال عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ونهى عباده أن يضربوا له