يجب أن نعلم أنَّ معرفة الله تعالى هي حياة قلوبنا؛ فلا حياة للقلوب ولا نعيم ولا سرور ولا أمان ولا طمأنينة إلا بأن تَعرف ربها ومعبودها وفاطرها، ويكون أحب إليها مما سواه، ولا يمكن أن تنجو وأن تَسعد في الآخرة إلَّا بهذه المعرفة والمحبة.
والإنسان بدون الإيمان بالله لا يمكنه أن ينال معرفة ولا هداية، وبدون اهتدائه إلى ربِّه لا يكون إلا شقيًّا مُعذَّبًا كما هو حال الكافرين.
فالله- تبارك وتعالى- خلق هذا الإنسان ورَكَّبه من الجسد والروح، وشاء أن يكون قَوَام هذا الجسد من هذه الأرض؛ قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}[الحج: ٥]، وجعل حياة هذا الجسد من التراب؛ فهو يأكل ويشرب ويكتسي من الأرض وما فيها.
وجعل في هذا الجسد الروح؛ قال تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[الحجر: ٢٩].
أمَّا أصل هذه الروح ومادتها فهذا لا علم لنا به:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: ٨٥]؛ فأمرٌ استأثر الله تعالى به في علم الغيب عنده.
لكن الله -سبحانه وتعالى- شاء أن يكون قِوام هذه الروح وحياتها في معرفة الله وعبادته؛ قال عز وجل:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: ٢٨]؛ فلا شيء أطيب للعبد ولا ألذ ولا أهنأ ولا أنعم لقلبه وعيشه من محبَّة فاطره وبارئه، ودوام ذِكره، والسعي في مرضاته، لذلك فإنَّ مَنْ في قلبه أدنى حياة أو محبة لربه وإرادة لوجهه وشوق إلى لقائه، فطلبه لهذا الباب وحرصه على معرفته وازدياده من التَّبَصُّر فيه وسؤاله واستكشافه عنه هو أكبر مقاصده وأعظم مطالبه وأجل غاياته، فهذا هو الكمال الذي لا كمال للعبد بدونه، وله خُلق الخلق، ولأجله نزل الوحي، وأُرسلت الرسل، وقامت