السموات والأرض، ووُجدت الجنة والنار، ولأجله شُرعت الشرائع، وأُسِّست الملة، ونُصبت القِبلة، وهو قطب رحى الخلق والأمر الذي مدارهما عليه.
وهو بحقٍّ أفضل ما اكتسبته القلوب، وحصَّلته النفوس، وأدركته العقول، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، ولا فرحها بشيء أعظم من فرحها بالظفر بمعرفة الحق فيه (١).
وإذا تأملت أعمال القلوب وجدت- مثلًا- أن كل حبٍّ هو تَبَعٌ لحبِّ الله -سبحانه وتعالى-؛ وكذلك الخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة، والإخلاص، والرغبة، والرهبة .. إلى غير ذلك.
فلا يمكن أن تتحرك أعمال القلوب في القلب ولا أن تقوم بواجبها ما لم تكن على معرفة بالله -سبحانه وتعالى-!
إذًا، كيف تتحقق في القلب أعمال القلوب؟
فمثلًا إذا علمت أن الله هو الخالق، وهو الرازق، وهو المحيي، وهو المُميت، وهو النَّافع، وهو الضَّار، وهو القابض، وهو الباسط .. إذا علمت هذا أَثْمَر في قلبك توكلًا على الله -سبحانه وتعالى-. هذه المعرفة تُوَلِّدُ التوكل. ممن تخاف ومَن ترجو والرزق بيد الواحد الأحد -سبحانه وتعالى-؟! يرزق من يشاء بغير حساب. وكيف ترجو ما في يد الناس؟ أو حتى كيف تحسد فلانًا من الناس: أن أعطاه الله تعالى من فضله؛ {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ}[آل عمران: ٢٦]؛ فالخير بيد الله -سبحانه وتعالى-، والله يختص برحمته مَنْ يشاء؛ فكيف لقلبٍ أن يحسد لو كان على إيمان؟! ويحسد مَن؟! كأنما يعترض على حكم الله -سبحانه وتعالى-: أن أعطى فلانًا ومنع فلانًا!