للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصلاح قلوبنا وحمايتها من تلك الأمراض التي تضرها، وتفسد على الإنسان حياته مِنْ غِلٍّ وحسد وحقد وغِيبة ونميمة .. إلى غير ذلك من أمراض- سببها هو: أن الإنسان ما عرف الله تعالى حقَّ المعرفة، ومثلًا الله -سبحانه وتعالى- أخبرك بأنه عليم، وأنَّه سميع، وأنه بصير؛ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ومُطَّلِع على عملك وعلى فعلك؛ أفَلَا يحملُك هذا على الحياء منه؟!

فيجب أن يحمل هذا العبدَ على خوف الله تعالى، على مراقبته، على خشيته؛ فلو أن النفوس استحضرت هذه المعاني لَمَا أَقْدَمَت على فِعل معصية، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَزني الزَّاني حين يَزني وهو مؤمن، ولا يَشرب الخمرَ حين يَشرب وهو مُؤمنٌ، ولا يَسرق السارق حين يَسرق وهو مؤمن … »، الحديث (١)؛ لأنه لو قام الإيمان كما يجب- وكما ينبغي- في نفسِه في تلك اللحظات لَمَا أقدم على فَعلته.

أنت لو لَمَحت أحدًا من الناس وأنت على معصية لربما استحييت منه، ولربما خِفت أن يُفشي سِرَّك! فكيف وأنت أمام عالم الغيب والشَّهادة، المُطَّلِع على جميع أحوالك وعلى جميع أمورك وعلى جميع سكناتك وعلى جميع حركاتك؛ ألا تستحي مِنْ الله -سبحانه وتعالى-؟! وكما يذكرون أنَّ رجلًا لقي أعرابية فأرادها على نفسها فأَبَت وقالت: أي ثكلتك أمك، أَمَا لك زاجر من كرم؟ أما لك ناهٍ مِنْ دين؟ قال: قلت: واللهِ إنَّه لا يَرانا إلا الكواكب، قالت: ها بأبي أنت، وأين مُكوكبها» (٢)؛ فأراد أن يُطمأنها أنَّه لا يراهم أحد إلا هذه الكواكب!. فقالت له: «وأين مُكوكبُها؟!»؛ فذكَّرَته بالله -سبحانه وتعالى- في تلك اللحظة؛ فقام عنها، وكان ذلك سببًا في هدايته.

فنحن لو استحضرنا معاني أسماء الله وصفاته لكان هذا سببًا في حياة قلوبنا، ولكنَّ قلوبَنا مُلئت بالغفلة عن الله -سبحانه وتعالى- والإعراض عن معرفة أسمائه


(١) أخرجه البخاري (٢٤٧٥) ومسلم (٥٧) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٢) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٢٦٥) عن العتبي.

<<  <   >  >>