للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعلم أنَّ حفظ الله -سبحانه وتعالى- بمعرفته وعبادته، فإذا ما العبدُ حَفِظ الله -سبحانه وتعالى- فإن الله تعالى تعَهَّد بحفظِه، وتعهد بصلاح أمره؛ فيجب أن نعلم أن هذا العلمَ هو أصلُ العلوم الدينية.

فنسيان العبد لربه عقوبته أن الله -سبحانه وتعالى- يُنسيه أمرَ نفسِه وصلاحَ نفسه؛ يقول ابن القيم في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} {الحشر: ١٩]: «تأمل هذه الآية تجد تحتها معنى شريفًا عظيمًا، وهو أنَّ مَنْ نَسِي ربَّه أنساه ذاتَه ونفسَه؛ فلم يَعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نَسِيَ ما به صلاحُه وفلاحُه في معاشه ومَعاده؛ فصار مُعَطَّلًا مُهملًا بمنزلة الأنعام السَّائبة، بل ربُّما كانت الأنعام أخبر بمصالحها منه؛ لبقائها هداها الذي أعطاها إيَّاه خالقُها» (١)، وهذا تجده- كذلك- في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: ٢٨]، قال قتادة: «أضاع أكبر الضَّيعة؛ أضاع نفسه وعسى مع ذلك أن تجده حافظًا لما له، مُضَيِّعًا لدينه» (٢).

فإذا أنت علمت هذا الباب أصلحت أساس العلم عندك؛ فعلمك ومعرفتك بالله -سبحانه وتعالى- ستنبني عليها جميعُ المعارف؛ لأن هذا أصلُ العلم وأصلُ الدِّين، وإن كنت مضيعًا لهذا الباب ضَيَّعت جميعَ أحوالك وجميع أمورك وجميع مصالحك في دنياك وفي أُخراك.

وتأمل مَنْ كان غافلًا عن الله -سبحانه وتعالى-، وعن معرفته، وعن الإيمان بأسمائه وصفاته، ولو نظرنا إلى عينة من أحوال بعض الناس الذين غَفلوا عن الله -سبحانه وتعالى-، وغفلت قلوبهم عن ذِكر الله -سبحانه وتعالى-، وما يُصيبهم من القلق والضياع والحسرة


(١) «مفتاح دار السعادة» (١/ ٨٦).
(٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في «محاسبة النفس» (ص ٢٥)، وقال الإمام ابن كثير: «{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}، أي: شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} {الكهف: ٢٨]، أي: أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعًا له ولا محبًّا لطريقته، ولا تغبطه بما هو فيه» «تفسير ابن كثير» (٥/ ١٥٤).

<<  <   >  >>