وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- سيكون هذا- بإذن الله تعالى- سببًا في أن تلين هذه القلوب:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}[الحديد: ١٦]، ستلين هذه القلوب، وسيكون هذا سببًا في فلاحها وسعادتها.
وقد أحببنا أن نُقَدِّم بهذه المقدمة لأهمية هذا الباب، فهو كما قال المصنف:«منزلته في الدين عالية، وأهميته عظيمة، ولا يمكن أحدًا أن يَعبد اللهَ على الوجه الأكمل حتى يكون على علم بأسماء الله تعالى وصفاته؛ ليَعبده على بصيرة»، ثم ذكر أنواع الدُّعاء هنا: فَذَكر دعاء المسألة، وذكر دعاء الثناء؛ فدعاء المسألة كقولك: رَبِّ اغفر لي، رب ارحمني. بل إنه من الأدب أن تُثني على الله -سبحانه وتعالى- بين يدي طلبِك؛ فتأمل دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إنَّك عفو تحبُّ العفو؛ فاعفُ عَنِّي»(١)؛ فأين جاء الطلب في آخر الأمر:«اللهم إنك عفو تحب العفو» هذا كله ثناء، «فاعفُ عَنِّي» هذه المسألة.
بل ونحن نشاهد في عصرنا الحاضر كيف أن القلوب مَرضت حتى كثرت العيادات النفسيَّة؟! وتأسف كيف لأمة أن يكون هذا هو حالها، مع أنَّ نَبِيَّها -صلى الله عليه وسلم- أرشدَها إلى ما فيه دواء هذه النُّفوس، حيث قال:«ما أصابَ عبدًا قط هَمٌّ ولا غَمٌّ ولا حَزَنٌ .. »، هذه ثلاثة أحوال تصيب النفس: الهم والغم والحزن، ما الفرق بينها؟ الهم يأتي قبل المكروه؛ فأنت إذا توقعت مكروهًا أصابك الهم؛ تهتم له. والغم يأتي أثناء المكروه؛ أثناء المصيبة. والحزن يأتي بعد وقوع المصيبة. والإنسان دائمًا بين هَمٍّ؛ يعني يتوقعه مستقبلًا، أو أمر قد فاته قد حَزن عليه، أو في غَمٍّ أصابه في ذلك الوقت؛ فيقول النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وهو الطبيب لهذه الأمة؛ التي أعرضت هذه الأمة عن طِبِّه وعن دوائه- يقول لنا: «ما أصاب عبدًا قطٌّ هَمٌّ ولا غَمٌّ ولا حَزن، ثم قال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أَمَتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك؛ أسألك بكلِّ
(١) أخرجه الترمذي (٣٥١٣) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي في «الكبرى» (٧٦٦٥)، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (٢٧٨٩).