فنسمع الناس في تعبيرهم يقولون: زمن أغبر. أو ذاك يوم أسود، أو غير ذلك، فالعبارات تختلف والمراد واحد قديمًا وحديثًا، وفيها سبٌّ للدهر، وفي الحقيقة: الدهر هو الوقت والزمان، والوقت والزمان بيد الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يُقَدِّر الأمور ويدبرها؛ فمن يقول هذا اللوم، فكأنما يعترض على إرادة الله -سبحانه وتعالى-.
فالشاهد: أنه ليس المراد بهذا أن الدهر اسم من أسماء الله تعالى، لكن المراد أن الله هو الذي يتصرف في هذا الوقت وفي هذا الزمن. ولذلك قال: «وبهذا- أيضًا- عُلم أن (الدهر) ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد، لا يتضمن معنى يُلحقه بالأسماء الحسنى؛ ولأنه اسم للوقت والزمن؛ قال الله تعالى عن منكري البعث:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} {الجاثية: ٢٤]؛ يريدون مرور الليالي والأيام.
فأما قوله -صلى الله عليه وسلم- قال الله -عز وجل-: «يُؤذيني ابنُ آدم يسبُّ الدهر، وأنا الدهر بِيَدِي الأمر، أُقَلِّب الليل والنهار» - فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى، وذلك أن الذين يسبون الدهر إنَّما يريدون الزمان الذي هو مَحل الحوادث»؛ الذي هو الوقت والزمن الذي تكون فيه مجريات هذه الأمور، والحوادث جارية فيه، و «لا يريدون الله تعالى؛ فيكون معنى قوله: «وأنا الدهر» ما فسَّره بقوله: «بِيَدِي الأمرُ؛ أُقَلِّب الليل والنهار»، فالمراد منها: أن الله هو المتصرف في هذا الوقت وفي هذا الزمن، «فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بَيَّن أنه يُقَلِّب الليل والنهار، وهما الدهر، ولا يُمكن أن يكون المُقَلِّب هو المُقَلَّب، وبهذا تَبَيَّن أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مرادًا به الله تعالى».
فإذًا (الدهر) ليس من أسماء الله تعالى الحسنى؛ لأنه اسم جامد، وأسماء الله تعالى ليس فيها اسم جامد، بل كلها دالة على معان؛ لأنَّها أعلام وأوصاف.
فعلينا أن نفهم هذه القاعدة، وأن نُطبقها اعتقادًا وعملًا.