للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القاضي أبو يعلى: «قال حنبل: سمعت هارون الحمَّال يقول لأبي عبد الله- أي: الإمام أحمد-: كنا عند سفيان بن عيينة بمكة فحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَسُبُّوا الدهر»؛ فقام فتح بن سهل، فقال: يا أبا محمد، نقول: يا دهر، ارزقنا؟! فسمعت سفيان يقول: خذوه، فإنَّه جهمي، وهرب.

فقال أبو عبد الله: القوم يَرُدُّون الآثارَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نؤمن بها، ولا نردُّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله.

وظاهر هذا: أنه أخذ بظاهر الحديث، ويحتمل أن يكون قوله: «ونحن نؤمن بها» راجع إلى أخبار الصفات في الجملة، ولم يرجع إلى هذا الحديث بخاصَّةٍ.

وقد ذكر شيخنا أبو عبد الله- بن حامد- رحمه الله هذا الحديث في كتابه، وقال: لا يجوز أن يُسمَّى الله دهرًا.

والأمر على ما قاله؛ لأنَّه قد رُوي في بعض ألفاظ الحديث ما يَمنع من حمله على ظاهره هذا، ولم يَرد في غيره من أخبار الصفات ما دلَّ على صرفه عن ظاهره، فلهذا وجب حملها على ظاهرها (١)».

فالراجح: أنَّ الدهر ليس من أسماء الله؛ لأنه اسم جامد.

ومن استدل بحديث: «لا تسبُّوا الدهر؛ فإنَّ الله هو الدهر» (٢)، أو بحديث: «يُؤذيني ابنُ آدم؛ يسبُّ الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أُقَلِّب الليل والنهار» (٣) - فهذه النصوص لا تدل على أن الله تعالى من أسمائه الدهر، لكن المراد منها: أن هذا الذي كان يقع فيه أهل الجاهلية؛ إذ كانوا يسبون الزمن، ولا يزال إلى الآن بعض الناس يتلفظ بألفاظ فيها إلقاء باللوم على الزمان؛


(١) «إبطال التأويلات» للقاضي أبي يعلى (٢/ ٣٧٤)، دار إيلاف الدولية، الكويت.
(٢) أخرجه البخاري (٦١٨١) بنحوه، ومسلم (٢٢٤٦) واللفظ له، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) تقدم تحريجه قريبًا.

<<  <   >  >>