للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنَّ مما لا شَكَّ فيه أن إسقاط شرط التوقيف في باب أسماء الله ضرره عظيم، وأذكر لك قصة تبين فساد قول القائلين بإسقاط هذا الشرط؛ فمعتزلة البصرة يُسقطون هذا الشرط، وشيخهم الجبائي في ذلك الوقت قد اعترض عليه أبو الحسن الأشعري- وكان ربيبه (١) - عندما دخل رجلٌ على الجبائي؛ فقال: هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلًا؟ فقال الجبائي: لا؛ لأنَّ العقل مُشتق من العقال، وهو المانع، والمنع في حق الله تعالى محال؛ فامتنع الإطلاق.

قال الشيخ أبو الحسن (الأشعري): فقلتُ له: فعلى قياسك لا يُسَمَّى الله- سبحانه- حكيمًا؛ لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام. وهي الحديدة المانعة للدَّابة عن الخروج، ويَشهد لذلك قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

فنحكم بالقوافي من هجانا … ونضرب حين تختلط الدماء (٢)

وقول الآخر (٣):

أبي حنيفة أحكموا سفهاءكم … إني أخاف عليكمو أن أغضبا

أي: «نمنع بالقوافي من هجانا»، و «امنعوا سفهاءكم».

فإذا كان اللفظ مشتقًّا من المنع، والمنع على الله محال- لزمك أن تَمنع إطلاق (حكيم) عليه سبحانه وتعالى.


(١) أي: كان الجبائي متزوجًا من أم أبي الحسن الأشعري بعد وفاة أبيه؛ فنشأ أبو الحسن الأشعري في بيت الجبائي إلى أن بلغ سن الأربعين، وقد أخذ منه الاعتزال، ثم بدأ أبو الحسن الأشعري يَعترض على بعض أقوال المعتزلة، ومنه اعتراضه المذكور هنا.
(٢) راجع «ديوان حسان بن ثابت» بشرح عبد الرحمن البرقوقي. القاهرة، المكتبة التجارية (ص ٦). يقول: مَنْ هجانا منعناه بقوافينا المُفحمة، ونحن نضرب حين تختلط الدماء! أي: حين تلتحم الحرب. وقوله: نحكم: أي: نمنع.
(٣) البيت لجرير، وقاله في بيت آخر في هجاء بني حنيفة. والحكمة: ما أحاط بحَنَكي الفرس من لجامه. راجع «ديوان جرير» (ص ٤٧)، بيروت، ١٩٦٠ م.

<<  <   >  >>