للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوقع الجبائي بهذا في هذا الفخ، وأُلزم بلازم قوله؛ فلا يمكن للجبائي أن يقول: لا أُسَمِّيه حكيمًا؛ لأنه قد ورد في القرآن.

فلأنه ألغى شرط التوقيف، وبنى عليه هذا الحكم- وقع في محظور، وهو أنه بناء على قياسه هذا يلزم أن يمنع الحكيم كما يمنع العاقل؛ لأن مدار الكلمتين على المنع.

قال الأشعري: فلم يَحر جوابًا، إلا أنه قال لي: فَلِمَ مَنعتَ أنت أن يُسَمَّى الله سبحانه عاقلًا، وأجزتَ أن يسمَّى حكيمًا؟

قال (أي: الأشعري): فقلت له: لأنَّ طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي، دون القياس اللغوي. فأطلقت (حكيمًا)؛ لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلًا؛ لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقتُه» (١).

فالشاهد: أن أسماء الله توقيفية؛ لا مجال للعقل فيها، فليس لك أن تستعمل في إثباتها القياس العقلي أو القياس اللغوي، وعليك أن تلتزم بما ورد في أسماء الله -سبحانه وتعالى-؛ لقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولًا}، فالله -سبحانه وتعالى- أدَّبنا أن لا نتكلم في أمر لا علم لنا به.

والملائكة- مع فضلهم- لا عِلم لهم إلا ما عَلَّمهم الله؛ قال تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، ونحن طريق العلم عندنا هو الوحي؛ فبالتالي ما كان وحيًا آمنَّا به.

وقال تعالى عندما ذَكر المحرمات: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}، والعلماء يقولون: تدرج هنا من الأدنى إلى الأعلى، فعلى هذا أعلى المحرمات: هو أن يقولوا على الله ما لا يعلمون.


(١) «طبقات الشافعية» للسبكي (٢/ ٢٥١، ٢٥٢)، الطبعة الأولى بالمطبعة الحسينية.

<<  <   >  >>