للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيكون معنى «أحصاها» في الحديث: أنه يعدُّها ليستوفيها حفظًا، فيدعو ربه بها.

وقد استدل على صحة هذا التأويل بما ورد في رواية سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لله تسعة وتسعين اسمًا؛ مائة غير واحد، مَنْ حفظها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر» (١).

قال الخطَّابيُّ عند هذا الوجه: «وهو أظهرها».

وقال النوويُّ: «قال البخاري وغيره من المحققين: معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر؛ لثبوته نصًّا في الخبر، وهو قول الأكثرين» (٢).

وقال ابن الجوزي: «لما ثبت في بعض طرق الحديث: «مَنْ حَفِظها» بدل «مَنْ أحصاها» - اخترنا أن المراد «العَد»؛ أي: مَنْ عَدَّها؛ لِيستوفيها حفظًا».

واعترض الحافظ ابنُ حجر على هذا الوجه فقال: «وفيه نظر؛ لأنه لا يَلزم من مجيئه بلفظ: «حفظها» تعيين السَّرد عن ظهر قلب، بل يُحتمل الحفظ المعنويُّ».

وقال الأصيليُّ: «ليس المراد بالإحصاء: عدها فقط؛ لأنه قد يعدُّها الفاجر، وإنما المراد: العلم بها».

وقال ابن بطال: «إنَّ مَنْ حفظها عدًّا وأحصاها سردًا ولم يعمل بها- يكون كمن حفظ القرآن ولم يَعمل بما فيه، وقد ثبت الخبر في الخوارج: أنهم يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم» (٣).

المعنى الثاني: الطاقة، كما في قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}، أي: لن تُطيقوه.


(١) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في «صحيحه»، (الذِّكر) (ح ٢٦٧٧).
(٢) «الأذكار» للنووي (ص ٨٥)، «شرح صحيح مسلم» (٥/ ١٧).
(٣) «فتح الباري» (١١/ ٢٢٦).

<<  <   >  >>