للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تُحصوا» (١)؛ أي: لن تُطيقوا كل الاستقامة.

فيكون معنى: «أحصاها» في الحديث: أي: يطيقها، بحسن المراعاة لها، والمحافظة على حدودها في معاملة الربِّ سبحانه بها، وذلك مثل أن يقول: (يا رحمن يا رحيم)؛ فيخطر بقلبه الرحمة، ويعتقدها صفة لله عز وجل؛ فيرجو رحمته، ولا ييأس من مغفرته؛ كقوله تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

وإذا قال: (السميع البصير) علم أنه لا يَخفى على الله خافية، وأنه بمرأى منه ومسمع؛ فيخافه في سرِّه وعلنِه، ويُراقبه في كافة أحواله.

فإذا قال: (الرَّزَّاق) اعتقد أنه المتكفِّل برزقه، يسوقه إليه في وقته؛ فيَثق بوعده، ويعلم أنه لا رازق له غيره، ولا كافي له سواه.

وإذا قال: (المنتقم) استشعر الخوف من نقمته، واستجار به من سخطه.

وإذا قال: (الضار النافع) اعتقد أنَّ الضر والنفغ من قِبَل الله جلَّ وعزَّ لا شريك له، وأن أحدًا من الخلق لا يجلب إليه خيرًا، ولا يصرف عنه شرًّا، وأن لا حول لأحد ولا قوة إلا به.

وكذلك إذا قال: (القابض الباسط)، و (الخافض الرافع)، و (المعز المذل)، وعلى هذا سائر الأسماء (٢).

وقال ابن حجر: «وقيل: معنى «أحصاها»: عَمِل بها، فإذا قال: (الحكيم) - مثلًا- سَلَّم بجميع أوامره؛ لأن جميعها على مقتضى الحكمة، وإذا قال: (القدُّوس) استحضر كونه منزهًا عن جميع النقائص. وهذا اختيار أبي الوفاء بن عقيل. وقال ابن بطال: «طريق العمل بها: أنَّ الذي يسوغ


(١) أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (٥/ ٢٨٢)، وابن ماجه (ح ٢٧٧)، والدَّارمي (١/ ٦٨).
(٢) «شأن الدعاء» (ص ٢٧، ٢٨).

<<  <   >  >>