وفي حديث عمر -رضي الله عنه- أنه سمع رجلًا يتعوَّذ من الفتن فقال: أتسأل ربك ألا يرزقك أهلًا ولا مالًا، تأوَّل قول الله تعالى:{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}(الأنفال: ٢٨) ولم يرد فتن القتال والاختلاف.
وإليك ما جاء بنصِّه في (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) لابن حجر العسقلاني حول كلمة الفتن، تحت عنوان كتاب الفتن، يقول ابن حجر:"بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الفتن في رواية كريمة، والأصيلي تأخير البسملة، والفتن جمع فتنة، قال الراغب: أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ويُستعمل في إدخال الإنسان على العذاب كقوله تعالى:{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ}(الذاريات: ١٤)، وعلى ما يحصل عند العذاب كقوله تعالى:{أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}(التوبة: ٤٩)، وعلى الاختبار كقوله تعالى:{وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}(طه: ٤٠)، وفيما يُدفع إليه الإنسان من شدَّة ورخاء، وفي الشدة أظهر وأكثر استعمالًا قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}(الأنبياء: ٣٥)، ومنه قوله:{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ}(الإسراء: ٧٣) أي: يوقعونك ويصرفونك عن العمل بما أوحي إليك.
وقال أيضًا: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله، والمصيبة، والقتل، والعذاب، والمعصية، وغيرها من المكروهات أيضًا تُسمى فتن، فإن كانت من الله فهي على وجه الامتحان، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة، فقد ذمَّ الله الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله تعالى:{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}(البقرة: ١٩١)، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}(البروج: ١٠)، وقوله تعالى:{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ}(الصافات: ١٦٢)، وقوله:{بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ}(القلم: ٦)، وكقوله:{وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ}(المائدة: ٤٩) ".