وقبل أن نذكر تفاصيل هذه الفضائل، وما ورد في كلٍّ منها على حدة، نُثبت طرفًا من دعوته الحارة إلى محامد الأخلاق، ومحاسن الشيم عن أسامة بن شريك قال:((كنا جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنما على رءوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم؛ إذ جاء أناس فقالوا: من أحبّ عباد الله إلى الله تعالى؟ قال -عليه الصلاة والسلام: أحسنهم خلقًا))، وفي رواية:((ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: خلق حسن))، وقال -عليه الصلاة والسلام:((إن الفُحش والتفَحُش ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلامًا أحسنهم خلقًا)).
وسُئل -صلى الله عليه وسلم:((أيُّ المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: أحسنهم خلقًا)) رواه الطبراني، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:((ألا أخبركم بأحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قالوا: نعم يا رسول الله. قال: أحسنكم خلقًا)) رواه الإمام أحمد، وقال -عليه الصلاة والسلام:((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، إن الله يكره الفاحش البذيء، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة)) أخرجه أحمد.
هذا التصريح لو صدر عن فيلسوف يشتغل بشئون الإصلاح الخلقي فحسب، لما كان مستغربًا منه، إنما وجه العجب أن يصدر عن مؤسس دين كبير، والأديان عادة ترتكز في حقيقتها الأولى على التعبّد المحض، ونبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام- دعا إلى عبادات شتَّى، وأقام دولة ارتكزت على جهاد طويل ضد أعداء كثيرين، فإذا كان مع سعة دينه وتشعُّب نواحي العمل أمام أتباعه يخبرهم بأن أرجح ما في موازينهم يوم الحساب الخلق الحسن، فإن دلالة ذلك على منزلة الخلق في الإسلام لا تخفى.