أقول: من أجل ذلك جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحياء خلق الإسلام؛ لأنه أساس لكل الفضائل ورادعًا وزاجرًا عن كل الرذائل، روى ابن ماجة في سننه، والبيهقي في (شعب الإيمان) عن أنس وابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء))، ورواه أيضًا مالك مرسلًا عن زيد بن طلحة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ولقد سبق أن ذكرت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أشدَّ حياء من العذارء في خدرها، وأنه وُصف في الكتب السابقة بأنه ليس بفاحش ولا بذيء، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يدفع السيئة بالحسنة، ويعفو، ويصفح، وهل هذا كله إلا من الحياء، لقد وصل من حيائه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يغتسل مع نسائه في إناء واحد، ومن إناء واحد، ولا يرى من امرأته شيئًا، ونساؤه -صلى الله عليه وسلم- لحيائهنَّ لا يرين منه شيئًا، قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها:((كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، فما رأيت منه -صلوات الله وسلامه عليه- ولا رأى مني)) تريد العورة.
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال:((كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشدّ حياء من العذارء في خدرها، فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه)) يظهر على وجهه الشيء الذي يكرهه، هذا هو الحياء، ولقد بين -صلى الله عليه وسلم- أن الحياء صفة من صفات الله -عز وجل؛ فخليق بكل مسلم أن يتخلق بهذا الخلق الذي هو من أخلاق الله تعالى، فلقد بيَّن -صلى الله عليه وسلم- أن الله كريم جواد، يعطي الليل والنهار، إذا رفع العبد يديه إليه سائلًا شيئًا من عطاياه يستحي الحق -سبحانه وتعالى- أن يردَّ يده خائبة، بل يعطيه الحق -سبحانه وتعالى- من فضله.
روى الترمذي، وأبو داود، والبيهقي في الدعوات الكبير، عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:((إن ربكم حييٌّ كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صفرًا)) أي: خاويتين أي: خاليتين، إن هذا الخلق الجميل، ألا