شوقي؛ إذ لما جاءته الرسالة اتهموه زورًا وبهتانًا بالكذب والسحر وغير ذلك مع أنهم مقرون له من قبل بالصدق والأمانة في صغره، فقال شوقي:
يا جاهلين على الهادي ودعوته ... أتجهلون مكان الصادق العلم
لقبتموه الأمين في صغر ... وما الأمين على القوم بمتهم
إن أهل مكة مع كفرهم وعنادهم وعدوانهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما وجدوا رجل ً اأمينًا مثله يضعون عنده أماناتهم وكل شيء ثمين يريدون أن يحتفظوا به، وما وجدوا بيتًا أمينًا مثل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهد بذلك التاريخ ودون ذلك في الكتب إن علي ًّ ا -رضي الله عنه- تأخر عن الهجرة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرد إلى أهل مكة أماناتهم وودائعهم التي كانوا يضعونها عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يجدوا مثله ليحفظ لهم أماناتهم.
إن الأمانة خلق نبيل نادى به سيد الخلق، وأمر به الإله الحق - سبحانه وتعالى - في كل الشرائع، وها هي آيات القرآن الكريم تبين أن السابقين مطالبون بالأمانة وبالحفاظ عليها، ومدح من أداها منهم وذم من خانها، فبين الحق - سبحانه وتعالى - أن أهل الكتاب في الأمانة أصناف وألوان منهم من يحافظ عليها ويرعاها ويؤديها مهما عظمت دون مطمع فيها، ومنهم من يطمع فيها ولا يردها مهما قلت أو صغرت وحقرت قال تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(آل عمران: ٧٥، ٧٦).
ومما يدل دلالة واضحة على أن الأمانة خلق نبيل نادت به كل الشرائع السماوية أن يوسف - عليه السلام - أعلن عن أمانته وحفظه، وبين أن حفظه للأمانة هي أهم مؤهل من مؤهلاته التي بسببها يستحق أن يكون على خزائن الأرض، ولذلك لما أراد