وقد بين الإسلام كيف يستفيد الناس من هذه النعمة المسداة، وكيف يجعلون كلامهم الذي يتردد سحابة النهار على ألسنتهم طريقًا إلى الخير المنشود؛ فإن أكثر الناس لا ينقطع لهم كلام، ولا تهدأ لهم ألسنة؛ فإذا ذهبت تحصي ما قالوا وجدت جله اللغو الضائع أو الهذر الضار، وما لهذا ركب الله الألسنة في الأفواه، ولا بهذا تقدر الموهبة المستفادة؛ قال تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}(النساء: ١٤٤).
ينبغي أن يسا ئ ل المرء نفسه قبل أن يتحدث إلى الآخرين؛ هل هناك ما يستدعي الكلام؟ فإن وجد داعيًا إليه تكلم، وإلا فالصمت أولى به، وإعراضه عن الكلام حيث لا ضرورة له عبادة جزيلة الأجر، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان. رواه الطبراني.
وقال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - خمس لهم أحسن من الدرهم الموقفة - يعني الجيدة - لا تتكلم فيما يعنيك؛ فإنه فضل - يعني زيادة لا داعي لها - ولا آمن عليك الوزر، ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعًا؛ فإنه رب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فعيب، ولا تماري حليمًا ولا سفيهًا؛ فإن الحليم يقليك - يعني يبتعد عنك - وأن السفيه يؤذيك، وا ذكر أخاك إذا تغيب عنك بما تحب أن يذكرك به، وا عفي مما تحب أن يعفيك منه، وا عمل عمل رجل يرى أنه مجازى بالإحسان مأخوذة بالإجرام.
والمسلم لا يستطيع هذا إلا إذا ملك لسانه، وسيطر على زمامه بقوة فكبحه حيث يجب الصمت، وضبطه حين يريد المقال؛ أما الذين تقودهم ألسنتهم فإنما تقودهم إلى مصارعهم.