للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشكل الجديد ملائما له، معتمد على الصراع الذي يشبه المرض بين العقل الظاهر والواعي الباطن، لا على الصراع بين الإنسان والقيود التي تعيقه عن التقدم في واقع الحياة، فهو صورة فردية للهلاس الناجم عن طغيان الاستبطان الذاتي، وهو حيث نابع من داخل النفس، فيه بعض من اضطراب الحديث النفسي وشيء من تشتت الهواجس، وترديد الذكريات في لوعة ممرورة. ولكن السياب لم يكثر من هذا اللون لان طبيعة القصائد التي تتحمل التعبير به لم تتح له الاسترسال فيه.

غير أن الشاعر كان عندما نظم هذا الديوان يعيش حياة مزدوجة فهو مناضل يشارك في الكفاح من اجل غايات جماعية، وهو منكفئ على نفسه يجتر آلام الحب المخفق، ويتحرم بقدس ذاته، وكلن هذا الازدواج متباعد الطرفين، فلما حاول أن يقرب بينهما في ثنائية يمحي الخط الفاصل بين شطريها سقط سقوطا واضحا، ولذلك كان ازدواج المضمون واضح الافتعال في هذا الديوان: فالشاعر الذي يحلم بالموت ويسمع صوت أمه تناديه يقف ليأسف على أنه سيمضي ويبقى " الطغاة "؟ ولا معنى لذكر الطغاة هنا لأن الشق الأول وهو موت الفرد كان ناجما عن فقدان الملاذ العاطفي، لا عن وجود الطغيان في هذه الحياة (١) :

سوف أمضي وما زال تحت السماء

مستبدون يستنزفون الدماء

سوف أمضي وتبقى عيون الطغاة

تسامد البريق

من جذى كل بيت حريق


(١) أساطير: ٦٩، وقد تكون لفظة " الطغاة " إشارة مواربة إلى " الأب "، وتكون القطعة جزءا من الثورة عليه، وهي بهذا التفسير نفسه لا تدل على ثورة حقيقية ضد الإقطاع وأصحابه.

<<  <   >  >>