للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رغم ما قرأه في كتب التاريخ من أخبار (صحيحة أو مكذوبة) عن عسفه ولهذا فأنه اتخذ في قصيدته طريقة التهويل بالفاجعة والتخزن على الضعاف والصغار العطاش، دون أن توحي قصيدته بمعنى البطولة التي يمثلها الحسين في نفسه. واكبر الظن أنه لم ينظم القصيدة ثم لم يدرجها في ديوان يتحدث كله عن الحب إلا إرضاء لصديقه الأستاذ علي الخاقاني الذي تفضل بطباعة الديوان، وهذه خلة في السياب سنصادفها في غير موضع واحد، فقد كان سريعا إلى الترضية، حتى ليتنازل في سبيلها عن كثير مما يحرص عليه، وتلك ناحية استغلت فيه وأسيء استغلالها في بعض الاحيان، وأصابت بشظاياها قواعد بعض قصائده وغاياتها.

وليس من الطبيعي أن نقارن بين هذه القصيدة؟ وهي طريقة وحدها - وبين قصائده المبنية على الدورات، ولكن الشاعر؟ على وجه الإجمال - يضيق ذرعا بالشعر الجزل الجاري على نسق عال من البيان المشرق، وهو قد أتقن الوحدات الدورية اتقانا رفع درجة الانفعال عن طريق الصورة والعبارة، واصبح في حاجة إلى مزيد من التحليل إذ لا يكفي أن تكون دورات القصيدة دائما وعاء لسكب الانفعال، بل لا بد من نقل خلجات النفس على نحو تأملي دقيق، وذلك هو ما أتاحه له الشكل الجديد، فكان انتقاله إلى هذا الشكل خطوة طبيعية. غير أنك لا تزال تلمح بعض إمارات الضعف القديم في الوحدات الدورية، ولجوءا إلى الاضطرار، وعدم تبلور في الصورة، كما في قوله (١) :

الدرب تحرقه النوافذ والنجوم المستسرة ... سكران تدفعه الظلال وتشرب الأوهام خمره ... وهذا النماذج من الضعف تجعل الانحياز إلى الشكل الجديد أمرا ضروريا، لأن هذا الشكل يغنيه عن الاضطرار، وعن الحشو لاستكمال


(١) أساطير: ٢٥.

<<  <   >  >>