وتنبأت له بأنه رغم هذا الحب لن يحقق حلم الشباب (بيتا على التل البعيد) وأوضحت له انها تحبه ولكنها لغيره، وحاول أن يتفلت منها (أنا سوف أمضي فاتركيني؟ دعيني أسلك الدرب البعيد، حتى أراها في انتظاري؟ أنا سوف أمضي) . ولكنه وقف لا يستطيع حراكا وملء عينيه الدموع.
ولا ريب في أن هذا التفلت كان هربا نفسيا طلبا للراحة من الحب، وقوله " سوف ألقاها هناك عند السراب " هو العودة إلى الماضي الذي أصبح ميئوسا منه، والضمير في " ألقاها " قد يشير إلى الحبيبة القديمة، كما قد يشير إلى الأم، إلى الموت، أو الراحة المطلقة، وإلا فلا معنى للهرب من هذه التي طال انتصارها إلى أن أشرقت، " حتى أتت هي والضياء ". ولكن الشاعر بدلا من ان يجعل هذه النواة الهامة محور القصيدة أورد قبلها سبعة مقاطع فتحدث عن منظر السوق العام في الليل، وكيف أنه يثير الذكريات ويشرع على " نافذة تضاء،:
وارتج في حلق الدخان خيال نافذة تضاء
ثم تحدث عن تناثر الأضواء الضئيلة التي كشفت له عن كوب يحلم بالشراب، وعن المناديل الحياري تخفق كأنها تنذر بالوداع وصوت يغمغم " مات. مات " وعن الشموع المعلقة في السوق، وكيف نقلته رؤيته لها إلى تلك الشموع نفسها وهي تضيء المخدع المجهول، ثم يحدث تلك الشموع أن قلبه كان مثلها خفاقا وكان يحلم والأعوام تمر (شراع في أثر شراع) ، يحلم بالصدر والفم والعيون، وكان ينتظر والصيف يحتضن الشتاء، وهو ما يزال واقفا كالمنزل المهجور تعوي في جوانبه الريح: