وظل قلبه كذلك " حتى أتت هي والضياء ". ولا ريب في أن استثارة الذكريات أمر طبيعي، والسوق القديم قادرة على ان تبعث هذه الذكريات، إلا أن الشاعر أسرف في نثر الخطوط من حول المنظر، دون تناسب، فالكوب مجتلب في سلسلة الأشياء التي تهمه في الضغط على زر التذكر، والمناديل (مناديل الوداع أو مناديل النائحات) ليست ذات قيمة كبيرة في الصورة، وليس من تناسب بين وقفته عندها ووقفته عند الشموع؛ وليس من ضرورة لسرد الأدوات التي تثير الحلم، فقد طال ذلك الحلم حتى أصبحت اليقظة على الأبواب، وكادت القصيدة أن تتحطم، وكان في مقدور الشاعر أن يستغني عن تعداد مناظر السوق وهو يمشي، وأن يوجز ويثف في سرد تاريخ حبه المخفق، ولكنه عاد وكأنما يتحدث مرة أخرى بالذكريات التي نثرها في قصيدة " أهواء " ذات المنزع التاريخي. ولهذا اضطر أن يوجز ويكثف؟ وحسنا فعل - في قصة المنتظرة المتشبثة ببقائه. أن القصيدة كما ترى ليست خفقة أثارت صورة المنتظرة ثم كان من حديث ومد وجزر بينه وبينها، وإنما هي ثلاث مراحل: منظر السوق وأدواته؟ منظر الشموع وحدها وصلة الشاعر به وسرده لماضيه على مسامعها - منظر اثنين يلتقيان فجأة ويفترقان كذلك رغم التشبث اليائس. والصلة بين هذه الأجزاء الثلاثة نوع من التداعي الحر، وهي صلة واهية، لأنها يمكن أن تظل تثير عناصر جديدة إلى مالا نهاية. لهذا فان الشكل الجديد يجب ألا يخدعها بجدته عما تعانيه القصيدة من استطرادات وانتحاءات، تجعل تماسكها مرتبطا بأضعف الخيوط الشعرية، وهو تلاحم الأوهام. وكل من يتمثل القصيدة من الداخل يستطيع أن يدرك أن الشاعر لم يستطع أن يحلم وهو يمدد ذكرياته كالخشب المستعرض في وسط السوق القديمة كلما رأى منظرا من مناظرها، ولذلك كان حديثه إلى