الشموع يقظة ومقارنة ومقايسة (وهذا يمثل المقاطع ٥ - ٧) ففي الصلب من القصيدة (بين الرؤية التي تحاول أن تنقلب إلى رؤيا على وقع الأدوات التي تهيج الذكرى وبين الرؤيا التي تمثل الرؤية في العلاقة بينه وبين المنتظرة) وقف الشاعر يحاكم ويعارض وقد فتح عينيه منبهرا على مدى التشابه بين قلبه وبين الشموع. وهكذا لم يكن البناء الحلمي المفضي إلى الوقفة النهائية منسجم الجوانب، وذلك كله ناجم عن ميل الشاعر للتمزق العاطفي والثرثرة التي تشبه اعترافات المريض تحت تأثير المخدر. فالشكل الجديد لم يمنح القصيدة جدة، أي أنه لم يخلق فيها وحدة سوى وحدة السرد، وهي وحدة تحقيقها القصيدة القديمة بكل يسر.
وقد تسأل نفسك لم اختار الشاعر السوق محملا لذكرياته، وليس في السوق ميزة تفردها عن سواها في إثارة الذكرى، فالأدوات التي رآها موجودة في غير السوق، ولكن الحق أن السوق تنفرد بميزة لا تتوفر في سواها: فالمنظر ليلى، والنور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب، والسوق قديمة كئيبة، وهي ممتدة أمام البصر، فهي من حيث طابعها العام تثير الكآبة في النفس المغتربة المستوحشة، وهي بامتدادها وخطى العابرين فيها وغمغماتهم تمثل تيار الحياة، والشاعر طاف فوق هذا التيار، بين الجموع ولكنه ليس بينهم، يرى ولا يرى، ويسمع وكأنه لا يسمع، وفي طفوه معنى الحركة والسكون في ان، وهو السائر الواقف، اليقظ الحلم. تلك حالة تهيئها السوق حقا، وقد كان الشاعر واقعي الاستشارة حين جعل منها مفترشا لشعوره بالضياع والإخفاق، ولكنه لم يكن واقعي البناء حين أطال في التذكر والوقوف عند أداة إثر أداة في تلك السوق الكئيبة. وحسبنا هذا القدر من الوقوف عند هذه القصيدة.
وبعد ذلك كله يصلح ديوان " أساطير " ليكون معرضا لبعض