للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وانقض من حيث تهوي الشمس غاربة ... ليل من القاصفات أو شفق

جن الرضيع الذي يحبو وهب على ... رجليه يعدو ويلوي جسمه العنق

من فرط ما طال واسترخى وقد صهرت ... أعراقه الزرق نار فيه تختنق وحين أطبقت الظلمة إطباقاً أطلت من الأفق الذي يفتحه الشروق أيد تلوح بالسلام، وتوزع بين الناس نداء تتجمع حوله جميع رغباتهم هو نداء أنصار السلام في كل مكان. وهكذا جاءت هذه الدورة الثالثة منسجمة مع الأولى في رسم صورتي الظلام والنور.

وبدلا من أن يمضي الشاعر في رسم دورة جديدة ترجم فحوى النداء إلى شعر، فقدم صورتين متناقضتين إحداهما عن الأب والأم والزوجة والابن والجيران (ولكل واحد مقطع خاص) وهم يعانون أثر القنبلة الذرية والثانية عن صورة هؤلاء جميعا وهم يمارسون شئون الحياة في السلم، - وما أبعد الفرق بين الحالتين - ودعا من يستطيع رؤية الفرق الشاسع بينهما إلى التوقيع على نداء أنصار السلام، لأن هذا التوقيع يوقف الدم والدموع عن الانحدار، وعندئذ يتجلى الشاطئ الضحاك والقمر الطروب، وتتنفس الأضواء، وترفرف أجنحة حمامة السلام، والأطفال من ورائها يرمقونها بأعين ندية بالإخاء.

ولكن هذا كله لا يتحقق إلا بالثورة على العبودية وتحطيم الأغلال، ولهذا صور الشاعر في الدورة الختامية كيف بدأ ليل الاستعباد يزول، وثارت الأمم المستعمرة؟ والشرق في طليعتها - فحطمت الأغلال، ورفعت رءوسها أمم كانت مثل سيزيف مشدودة إلى الصخر، وكان يخدعها تجار الحروب فيعطونها الدراهم لتقتات باليسير، ويتحول القوت في عروقها إلى دماء تراق على مذابح الحروب، فهؤلاء العمال بئر من الدم سيغرق فيها الجيل المقبل وهكذا، وتبدو هذه الفكرة طريفة، ولكن تعبير الشاعر القاصر عن أدائها قد جعلها كالأحجية:

<<  <   >  >>