للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أسلمتني أيدي القضا للشجون ... إذ قضى من يردني لسكوني وهي قصيدة " صبيانية " تماما في اكثر ما يحاوله الشاعر من معان وصياغة، كأن يقول:

رفعوا نعشها ونحن حيارى ... فاستفاضت نفوسنا بالجنون

لوددنا لو استطل الدجى أو ... رجع الفجر عودة المستكين

فبكائي على الحبيب بليل ... وهو قربي والدمع ملء جفوني

كان خيرا من الوداع صباحا ... وحبيبي اغتدى بركب المنون ولا يرتفع سائرها عن هذا النسق، وذلك أمر لا تفسير له إلا أن بدرا لم يستطع إن يتمثل تجربة الفقد لهولها وقسوتها فهوت شاعريته تحت وطأة ثقل ولا يستطيع الاضطلاع به، وإذا كان فقد جدته لم ينجب شعرا رثائيا صالحا، فانه عمق لديه منابع الحزن، وأشعره من جديد بحاجته الملحة إلى الحب والحنان؟ كان قد مضى عليه بضع سنوا وهو يتفرس في كل وجه جميل يلقاه لعله يصرخ مثلما صرخ ارخميدس: " وجدتها! " وكان يتحدث في قصائده عن الهوى وروعه اللقاء وعذوبة القبل، بل انه حين دعاه صديقه خالد إلى زيارة بغداد تعلل بأن " الصبايا العذارى الريفيات يتشبثن ببقائه " (١) ، ولكن حين أرسل إليه صديقه قصيدة غزلية فيها ذكر لبعض الأسماء، وصرح له بأن مثل هذه الأسماء من نسج الخيال، جن جنون بدر دهشة، كيف يمكن ذلك؟ صديقه نموذج حي للوسامة والعافية وقوة الشباب، فتى ملء أهابه حيوية ونضارة وجمالا، ثم لا يعرف فتاة من لحم ودم؟ أذن ليس القبح هو العقبة الوحيدة في سبيل الحب. وبين الشك والقبول كتب إلى صديقه يقول: أحق أن كل الذي قلته في قصائدك خيال؛ أحق أن (؟) و (؟) عاشتا في بالك فقط؟ أأصدق أنك لم تعرف الحب؟ أأنت مثلي


(١) إلى خالد - البصرة ٢٦ مايس ١٩٤٢.

<<  <   >  >>