للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينس بدر في هذه المحاضرة أن يقتبس رأي ستيفن سبندر في الواقعية، وأن يشيد بالشعراء التموزيين الذين أصيبوا بخيبة أمل فأقلعوا عن الالتزام (ترى متى كانوا ملتزمين؟) وانصرفوا إلى المشاكل الذاتية والشخصية بل وحتى (إلى) افتعالها: " ورأى ذلك في نفسي أنا شخصيا فكأنني أتخمت من الالتزام فأنا اتفلت منه؛ ولا أغالي إذا قلت ان نهاية الالتزام الحق في الشعر العربي المعاصر ستكون حين ينتهي هؤلاء الشعراء منه " (١) . ومن هنا نرى أن السياب سلك نفسه في عصبة من الشعراء أطلق عليهم اسم التموزيين، ولا ادري حظ هذه الكلمة من الصواب ولكنها ليست من ابتكاره. إلا أن صراحته بقوله: انه أتخم من الالتزام فهو يحاول أن يتفلت منه، ذات دلالة عميقة على الاتجاه الذي سار فيه قبيل مؤتمر رومة ومن بعده، ولا يعادلها صراحة إلا إيماؤه؟ على طريقته العفوية الساذجة - إلى الذين يتهمون بان المستعمر يغدق الأموال عليهم لكي يحطموا صلتهم بالتراث العربي وطرائقه في الشعر.

ومع ذلك فان الفنان في السياب كان أقوى من المفكر، إذ بينما كان المفكر يعلن عن تخمته من الالتزام وعن اقتراب النهاية للالتزام الحق، كان الفنان يقول وهو يحس بألم الغربة في رومة (٢) :

من جوع صعارك يا وطني أشبعت الغرب وغربانه ... صحراء من الدم تعوي، ترجف مقروره ... ومرابط خيل مهجوره ... ومنازل تلهث، أوارها ... ومقابر ينتشج موتاها. ...


(١) الأدب العربي المعاصر: ٢٥١ وأضواء: ١٢٤.
(٢) المعبد الغريق: ٥٦ وتريخ القصيدة ١٩ - ١٠ - ١٩٦١.

<<  <   >  >>