للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- لا الموت المتخيل ولا الآخر المرتجى - وطال به التردد بين التشبث الطبيعي بالحياة حينا وبين معانقة الموت أملأ في الخلاص من الآلم الجسدية. وسد عليه الإحساس بالموت أقطار الوجود فلم يعد يرى شيئا سواه، وإذا لاح شيء رآه في مرآة الموت أو من خلاله؟ وفي مثل هذه الحال يتلاشى الالتزام تلقائيا، ويصبح اللوم على كثرة التقلب والتردد واللحظات الخائرة، نوعا من ترف الأصحاء الذين لا يستطيعون ان يدركوا حقيقة الموت في نضارة العافية.

في بيروت دخل مستشفى بولس، ثم اسلم نفسه آلة طبيبة ألمانية مختصة بالأعصاب وحتى (١٩ - ٦ - ٦٢) كان يعتقد انه لمس بعض التحسن على يدها (١) ، ولكن هذا التحسن كان ضربا من التفاؤل، ولهذا كتب من بعد يقول: " أما أنا فقد ذهبت ضحية للأطباء اللبنانيين الذين كسروا ظهري فأصبحت عاجزا عن المشي دون عصا؛ وحتى مع العصا فان مشيي بطيء مضطرب؛ أهذا هو شبابي؟ (٢) " وحين لقيه الأستاذ عيسى الناعوري ببيروت حدثه ان بيروت ومستشفياتها لم تستطع أن تمنحه غير اليأس من الشفاء (٣) .

وكانت المشكلة الكبرى هي الناحية المادية، وقد قدر أن الإقامة في بيروت تكلفه يوميا ليرة أجرة فندق وممرضة وثمن أدوية..الخ ولم تكن النقود التي أخذها من ناشري كتبه لتسد ما يحتاج إليه، ولهذا كان لا بد من مصدر للأنفاق على علاجه، دع عنك الإنفاق على عائلته في العراق. وكتب إليه الأستاذ سيمون جارجي يخبره بأن منظمة حرية الثقافة تتبرع بتكاليف العلاج إذا هو حضر إلى لندن، فرد قائلا: " كيف


(١) أضواء: ١٣١ (من رسالة إلى سيمون جارجي) .
(٢) أضواء: ١٣٢ (من رسالة غير مؤرخة إلى سيمون جارجي) .
(٣) أضواء: ٤٦ وانظر ما كتبه الأستاذ خالد علي مصطفى مصورا حاله اثر عودته من بيروت (ملف مجلة الإذاعة: ٢٧) .

<<  <   >  >>