للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فان هذه الهبة من رئيس الوزراء قد ارتبطت في الأذهان بمدح الشاعر له، وقيل في الشاعر من اجلها انه رجل متقلب سياسيا، وبخاصة وأنه هجا عبد الكريم قاسم يوم مصرعه. ويقول الأستاذ ناجي علوش في مقدمة ديوان إقبال " أما قصة هذا المدح فهي أن بدرا حين لم يجد معينا له في محنته طرق أبواب المسئولين في العراق ليساعدوه، فما كان منهم إلا أن ساوموه على قصيدة يمدح بها الزعيم مقابل المساعدة المرجوة، وفعل بدر ما طلبوا فحصل على مبلغ ضئيل من المال " (١) ؛ ويحتاج هذا القول إلى تصحيح في موضعين: أولهما أن بدر لم يطرق أبواب المسئولين في العراق، وقد حكيت قصة البرقية ودور وزير الصحة في هذا الصدد، والثاني أن العلاقة بين تلك المساعدة والمدح لم تكن " امدح وخذ " وإنما كانت ضربا من التخجيل، فقد دفع الرجلان المكلفان بالأمر ما قرره عبد الكريم قاسم، وفيما كانا في زيارة السياب في المستشفى قالا له بلهجة عتاب: " ألا تمدح رجلا أحسن إليك "، وأحس بدر بالحرج؟ بعد أن قبض الهبة المالية وهو في حاجة ماسة إليها - فكتب تلك المدحة؛ تلك هي رواية الدكتور عبد الله السياب، وأراها مقبولة من شتى النواحي؛ ولما انتقل بدر إلى لندن للعلاج كرر صديقه وزير الصحة سعيه لدى قاسم واستخرج له مساعدة أخرى؛ والسؤال الذي يذر قرنه في هذا المجال هو: ما مدى المثالية التي نريد أن يتحلى بها شخص على حافة القبر وهو لا يجد عونا من لائميه أنفسهم؟ أن " الاستشهاد " حقيقة لا يمكن أن تتطلبها من الآخرين ونحن نحجم عن تقديم ما هو دونها بكثير. وان من يطالب بدرا بذلك فهو أحد رجلين: أما امرؤ يرى فيه تميزا حقيقيا بنهاية بطولية، وأما امرؤ يختبئ وراء المثل الأعلى ليداوي ما يحس به من عجز وتقصير.


(١) ديوان إقبال: ١٥ - ١٦.

<<  <   >  >>