للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انه في دارنا؟ وكان اليوم مشرقا جميلا - كان مرحا كثير الكلام كعادته، وبعد الغداء تجولنا في سيارتي في مدينة المنصور. لقد انتابني خاطر مظلم: رحت أتجول في الطريق الجديدة في المنصور، وشعرت كأنه يودع كل ما يراه من تراب وسماء وحجر، لم يرد أن ينتهي التجوال بنا، وكنا كدأبنا نتحدث عن الشعر، عن الشعراء، عن الحياة، عن المستقبل، عن السخط على السياسة " (١) .

وطار بدر إلى لندن (أواخر عام ١٩٦٢) ووضع تحت إشراف أخصائي الأعصاب الدكتور ت. هـ. ادواردز، وأدخل مستشفى سانت ماري بلندن، وأجريت له التجارب التي أمر بها الطبيب، وأعطى في عموده الفقري إبرة لتلوين النخاع الشوكي، وقرر الطبيب ان لديه اضطرابا عصبيا في المنطقة القطنية من العمود الفقري هو الذي سبب له الشلل في ظهره وساقيه، ولعله صرح بأن داءه مما لم يهتد الطب فيه إلى علاج بعد، ولا يستطيع بدقة تعيين أسبابه. وفي لندن ودرم فقد بدر من يستمع إليه وهو يبث هذيانه وهواجسه، فتحولت تلك الهواجس الهلاسية كلها إلى شعر، حتى أنه في مدى ستة وأربعين يوما نظم ما يقارب أربعين قصيدة، أكثرها في تهوين الموت على نفسه وهو يستمع إلى صوت أمه تناديه، وفي الحديث عن الأمنية الأخيرة وحال الاحتضار وعبور البرزخ نحو الموت، ويقظات من الشهوة الملتهبة وأمل خافت بالشفاء وطرح العصا والعدو إلى الزوجة والأطفال والإحساس بجمال الوهم (٢) :

هرم المغني فاسمعوه برغم ذلك تسعدوه ... ولتوهموه بأن من أبد، شباب من لحون ...


(١) حوار، العدد ١٥ (ص:٢٨) .
(٢) منزل الاقنان: ١٣١.

<<  <   >  >>