للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صاحبه في رحلته هذه بين لندن وباريس صديقه مؤيد العبد الواحد، فكانت مرافقته له تخفف عنه آلام الوحدة، وتدخل التسلية على نفسه بقراءة أشعاره لذلك الصديق، ومرة أخذ يقرأ له " أنشودة المطر " على ضوء شمعة؟ بعد أن انطفأ ضوء الكهرباء في الفندق بباريس، وكان المطر اخذ يتساقط، فقال السياب لرفيقه: لقد أمطرت لكثرة ما رددت: مطر؟ مطر؟ مطر؟ فهل سأشفى إذا ما رددت: شفاء؟ شفاء؟ شفاء؟ " (١) لقد اصبح تعلقه بالقوة السحرية التي تفاجئه بما يرد لرجليه قدرتهما على المشي هو محور تفطيره واعيا أو دون وعي، ومن هذا القبيل قوله لصديقه المذكور وهما في لندن: " أنني أتوقع معجزة تأتيني من السماء على صورة ملاك صغير بيده سعفة نخيل خضراء (لعلها من تلك النخلة التي تظلل القبر عند بويب) يضربني بها ضربة واحدة اثناء نومي في الليل، وعندما يأتي الصباح تراني أسير على قدمي وكأن شيئا لم يحدث لي؟ " (٢) .

وقبل أن يعود إلى العراق طمأنه صديقه الأستاذ جارجي بأن المسئولين في المنطقة قد وافقوا على أن يكون مراسلا لمجلة حوار التي تصدرها المنظمة في بيروت؛ وعندما نتأمل هذا العطف المتوالي على شاعر أهمله اهله، فهل من حقنا أن نسأل: أكانت المنظمة تعتني بالشاعر الكبير أم كانت تعتني بالشيوعي المنشق؟ أياً كان الأمر فان بدرا لم يكن في حالة نفسية أو جسمية تجعله يرفض ما يقدم إليه، وإذا علمنا انه لدى عودته إلى بلده وجد نفسه مفصولا من عمله لأنه غاب عن مركز وظيفته مدة تجاوزت ما يسمح به القانون، إذا علمنا ذلك تملكنا خزي شديد ليس من قبيل التلذذ بالتعذيب الذاتي، وإنما هو أسى على الإنسان


(١) أضواء: ٥٤.
(٢) أضواء: ٤٩.

<<  <   >  >>