للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أم لأن العهد قد انتهى؟ انه يخبرنا في القصيدة أنها أصبحت نائية، حين يقول مخاطبا سعف النخيل:

من كنت أحذر أن تحجب طيفها ... عن ناظري نزلت بأبعد منزل

سيان عندي اليوم قفر موحش ... وظلال روض مستطاب المنهل وعلينا ان نقدر أن هذا النأي كان مكانيا، وكان طارئا، ولعل من أسبابه أن الراعية لم تعد راعية، بعد أن مات القطيع، وسأل عنها فقيل له أن المروج لن تحظى بعد بطلعتها الجميلة:

أحزنا على ما أصاب القطيع ... أليف الروابي اعتراك الألم؟

سأبكي وقد كنت تستضحكين ... إذا الدمع من ناظري انسجم (١) ومثل هذا التقدير ينسجم تماما مع قصائد نظمها من بعد يحن فيها إلى راعيته، حين عاد يستأنف العام الدراسي. وفي هذه الإجازة الشتوية لم ينس أن يقدم إلى القرية تحية إلا بن البار ويتحدث عن مواطن الجمال في جوانبها (٢) :

صور تسجد النفوس لديها ... وتضج القلوب بالصلوات

أينما دار ناظري طالعتني ... فتنة تستعيدها نظراتي ولما عاد يجدد العهد بدار المعلمين، اخذ يحاول أن يخلق شيئا من المواءمة بين نفسه وبيئته الجديدة؛ وكانت الأسابيع القليلة التي قضاها في دار المعلمين قبل عطلة الشتاء قد عرفته إلى بعض الفتيات فيها، وكان قدر قليل من اللطف في المعالمة في لغة الخطاب والابتسامة عند التحية كافيا ليحمله على أجنحة الخيال، ويهيم به في مسارب الإلهام، وفجأة وجد نفسه أسير حب جديد: هنالك اثنتان تعاملانه بلطف


(١) ديوان إقبال: ٩٣.
(٢) المصدر نفسه: ٧٢ (٢٢/١٢/١٩٤٣) .

<<  <   >  >>