للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرجته فوجدت الحجر الذي أعرفه أولاً، وقد زالت عنه الهيئة الرديئة التي اكتسبها من احتكاكه بخشونة الذهب ورجعت إليه جميع صفاته الأولى إلا أن وزنه نقص بما أنحك منه في الكيس)) (١) .

ولا ريب في أن التيفاشي كان يتمتع بروح علمية دقيقة، لأنه كان يحاكم ما يسمع إلى التجربة ويتحمل المشاق في سبيل المعاينة الذاتية؛ فقد كان يسمع مثلاً عن أن الزمرد الذبابي إذا عرض للحيات انفقأت عيونها على المكان، وكان عنده فص زمرد ذبابي خالص، فاستأجر حواء ليصيد له أفعى، ففعل، وجعلها في طشت ثم قرب الفص من عينيها، فما لبث أن سمع فرقعة خفيفة كمن يقتل صؤابةً على ظفره، ثم برزت عيناها بروزاً ظاهراً، وبقيت حائرة في الطشت لا تدري أين تتوجه (٢) . وقد مكنته هذه الدقة العلمية من التمرس ببعض الصناعات وإتقانها؛ فقد صنع وهو القاهرة من اليشم الأبيض أواني أهداها لبعض الأمراء ممن يعرف اليشم بدقة فلم يشك ذلك الأمير أن ما أهدي له كان من صنع الصين، ولم يكد يصدق إنها ليست كذلك إلا حين صنع له التيفاشي أواني على شكل مخصوص ووزن مخصوص بحسب اقتراحه (٣) . وفي مثل هذه الشؤون، استطاع التيفاشي أن يقع على حقائق يؤكدها العلم الحديث، ولكنه - على خلاف ما يقوله محققاً كتاب الأحجار - لم يبرأ من الخضوع للخرافة (٤) ، فقد كان في ذلك ابن عصره، ينقل ما جاء في الكتب دون محاكمة، ومن قرأ الفصول التي عقدها عن خواص القطبين وما أشبه ذلك في ((سرور النفس)) عرف مصداق ما أقول (٥) ؛ ويقارب هذا النقل ضعفاً تلك التعليلات التي كان يظنها في عصره علمية أو طبية، وهي نتيجة لقصور العلم والطب حينئذ. وليس يؤاخذ التيفاشي في كل ذلك، فهذه التعليلات نفسها - على فسادها - تدل على أنه كان يحاول أن يجد تفسيراً يقبله العقل.

ذلك بعض ما يمكن أن يقال في الاتجاه العلمي لدى التيفاشي، ولو وصلتنا مؤلفاته الأخرى، لا تسع القول في هذا الاتجاه.


(١) أزهار الأفكار: ١٢٤ - ١٢٥.
(٢) أزهار الأفكار: ٨٤ - ٨٥.
(٣) أزهار الأفكار: ١٩٥.
(٤) انظر مقدمة أزهار الأفكار: ١٧.
(٥) راجع مثلاً الفقرة: ٥٧٧.

<<  <   >  >>