للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال قائل: فالعالم إذن كله بأسره ينفعل فيعمل بعضه الآثار في بعض، قلنا: إن العالم الأرضي هو الذي ينفعل، وأما العالم السمائي فإنه يفعل ولا ينفعل، وإنما يفعل في العالم الأرضي أفاعيل طبيعية ليس فيها فعل عرضيّ، لأنه فاعل غير منفعل من فاعل آخر جزئي، فأفاعيله كلها طبيعية ليس شيء منها عرضاً، لأنه إن عرض فيها عارض فلا يكون بغاية الإتقان والصواب.

قال محمد بن موسى (١) : قال: حدثني يحيى بن أبي منصور، دخلت على المأمون، وعنده جماعة من المنجمين، وعنده رجل تنبأ ودعا له القضاة والفقهاء، ولم يحضروا بعد، ونحن لا نعلم، فقال لي ولمن حضر من المنجمين: خذوا طالعاً لدعوى رجلٍ في شيءٍ يدعيه، وعرفوفي ما يدلّ حاله عليه، من كذبه في دعواه أو صدقه. ولم يعلمنا المأمون أنه متنبئ، فأخذنا الطالع وأحكمنا موقع الشمس والقمر في دقيقة واحدة مع دقيقة الطالع، وسهم السعادة وسهم الغيب في دقيقة الطالع، والطالع الجدي، والمشتري في السنبلة ينظر إليه، وعطارد والزهرة في العقرب (٢) ينظران إليه، فقال من حضر من القوم: كل ما يدعيه صحيح، وأنا ساكت، فقال لي المأمون: قل، فقلت: هو في طلب تصحيحه (٣) ، وله به حجة زهرية عطاردية، وتصحيح الذي يدعيه لا يتمُّ له ولا ينتظم، فقال لي: من أين؟ قلت؟ قلت: لأن صحة الدعاوى من المشتري، والمشتري ينظر إليه نظر موافقة، إلا إنه كاره لهذا البرج، فلا يتمّ له التصديق والتصحيح، والذي قالوا من حجة عطاردية زهرية فإنما هو من جنس الخداع، والمنجمون يتعجبون (٤) منه، فقال المأمون: أحسنت، لله درّك! أتدرون من الرجل؟ قلت: لا، قال: هذا يدعي النبوة، قلت له: يا أميرالمؤمنين، معه شيء يحتجُّ به؟ فسأله فقال: نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتغير مني شيء، ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك


(١) وردت هذه القصة في البصائر ٢/٣: ٥٠٠ وما بعدها؛ ومحمد بن موسى يعرف بالجليس، وهو غير الخوارزمي (القفطي: ٢٨٤) وقد خلط بينهما محقق البصائر مع أن أبا حيان قد أورد ((أخبرني محمد بن موسى الجليس وليس بالخوارزمي)) فعرف المحقق بالخوارزمي؛ وانظر النص نفسه عند القفطي: ٣٥٧ في ترجمة يحيى بن أبي منصور.
(٢) زيادة من البصائر.
(٣) ص: واربه.
(٤) ص: والمنجمين تتعجب منه وتحث.

<<  <   >  >>